في عتابها له - إبراهيم نصر الله

: لماذا سترحلُ ؟
قالت لـهُ
حولَنا الآن أولادُنا .. عشرة ٌ
حولنا الآن أبناؤهم .. ضحكُهم
حولنا الآن منفىً نُـعَلِّمُـهُ
منذُ خمسينَ عاماً طقوسَ التواضعِ
حين يمرونَ في أرضهِ .. أو يـمرُّ بهمْ
إن مضوا للظلامِ وإن أشرقتْ شـمسُهم
فلماذا سترحلُ ؟
قد جــــاءنا ألفُ موتٍ صبرنا
كسَرنا دروبَ الرصاصِ الذي هبَّ نحو براءتهم بالعيونِ
إلى أن تفتَّحَ نوارُهمْ
وظللَ روحي وروحَك ـ يا سندي ـ نـخلُهمْ
فلماذا سترحلُ
قالتْ لـهُ
بيتُنا واسعٌ !! وعلى السطحِ شـمسٌ شتائيـةٌ
لم ينلْ ضوءَها أيُّ عَـتْمٍ ..وترتاحُ دافئةً قربنا في الفِناءْ
لماذا سترحلُ
خمسينَ عاماً غسلتَ لها وجهَها بيديكَ
وعلَّمتَها أن بيتكَ بيتٌ لـها
إذ يضيقُ عليها الفضاءْ
أين أَمضي بها حين تأتي إلـيَّ
سيقـتُلُنا بـرْدُ هذا العراءْ
لماذا سترحل ؟
جيءَ بنا كي نموتَ هنــا
ولكننا ـ أنتَ تعرفُ ـ عِشْـنا
وفي كلِّ بيتٍ بنينا البيوتَ التي خلْفَـنا
وأَطعنا الـحنينَ
الذي في الليالي الطويلةِ فاضَ ليحملَـنا
لمنازلِـنا في أعالي التلالِ وفي دمِنا
فلماذا سترحل ؟!!
ها كلُّ أولادِنا ههنا
أنتَ ربيتَهم مثلَ زيتونـةٍ
وانحنيتَ عليهم سهولاً من القمحِ .. أطعمتَهم بيديـكَ
وعلَّمتَهم قلبَـهمْ .. صوتَهمْ
وعلَّمتَـهم أن يـُحِـبّوا كثيراً
وألا يضيِّعهم جريُهم خلفَ صمتٍ وقوتْ
لماذا سترحلُ
مثلـك يا سندي لا يموتْ