رَبيعُ حَيْفا - حسن البحيري

بِعِطْرِكِ فاحَ نَفْحُ رَبيعِ "حَيْفا"
رَبيعِ الحُبِّ في زُهْرِ المَغاني
فَمَاجَ تَأَلُّقاً.. وَسَنىً.. وَطيباً
وَعادَ بِدِفءِ أَحْضانِ الحَنانِ
عَلى ما امْتَدَّ مِنْ شُطْآنِ رَمْلٍ
وَثِيرٍ كالْحَريرِ الخُسْرُواني
عَلى "المَرْجِ" المُقِيمِ الخُيْرُ فِيهِ
لِعُرْسِ جَنَاهُ أَسْنى مِهْرَجانِ
عَلى "السَّفْحِ" المُطَرَّزِ بالأَماني
على "الجَبَلِ" المُوَشَّحِ بالأَغاني
عَلى "سَهْلِ السَّعادَةِ" وَهْوَ يَزْهو
بِنَرْجِسِهِ على نَثْرِ الجُمانِ
وَسَلْسَلُ مائِهِ يَجْري فُراتاً
بِذَوْبِ الشَّهْدِ أَوْ سَكْبِ الدِّنانِ
وَذَكَّرَني بِأَنْفاسِ الرَّوابي
يُؤَرِّجُهَا عَلى مَرِّ الزَّمانِ
رَبيعٌ دائِمٌ في رُحْبِ أَرْضٍ
مَغانِيها فَراديسُ الجِنانِ
وَ "حَيْفا" في مَواكِبِهِ عَروسٌ
تَجَلّى مِنْهُ بالحُلَلِ الحِسانِ
وَيُعْليها الجَمالُ سَنامَ عَرْشٍ
فَريدِ التّاجِ.. فَرْدِ الصَّوْلجانِ
وَذَكَّرّني بِزَهْرِ رَبيعِ عُمْرٍ
ذَوَتْ أَغْصَانُهُ قَبْلَ الأَوانِ
وَمَرَّ كَأَنَّهُ أَضْغاثُ حُلْمٍ
بِهِ سَنَحَتْ أَضالِيلُ الأَماني
فَظَلَّ عَلى مدى الأَيّامِ جُرْحاً
يُراجِعُني جَواهُ كَما بَداني
وَداءً ما لِعا صِيهِ دَواءٌ
وَخَطْباً ما لَهُ في الرَّوْعِ ثاني
وَمَنْبَعَ مَدْمَعَيْ أَمَلٍ وَيَأْسٍ
بَصَيِّبِ مُهْجَتي يَتَدَفَّقانِ
فَإِنْ أَسْنى لِيَ الأَمَلُ المُرَجَّى
دَجى بِاليأسِ مُسْودُّ الدِّجانِ
وَإِنْ بَسَمَتْ مُؤاساةُ التَّأَسيّ
بَكَتْ ذِكْراهُ أَيّامَ التَّداني
وَكانَ العُمْرُ في "حَيْفا" رَبيعاً
وَرِيفاً دَوْحُهُ داني المَجاني
عَمِيمَ النَّبْتِ صَدّاحَ الأَغاني
نَدِيَّ الوَرْدِ غَضَّ الأُقْحُوان
فَغَيَّضَ ماءَهُ قَدرٌ عَتِيٌّ
بِكَفِّ الغَيْبِ مَقْبوضُ العِنانِ
وَجَفَّفَهُ الزَّمانُ بِقَسْرِ ظُلْمٍ
تقاصَرُ عَنْه أَلْسِنَةُ البَيانِ
فَجَمْرٌ في الجَوانِحِ قَدْ تَلظّى
وَلَمْ تُطْفِئْ تَلَظِّيهُ يَدانِ
وَظِمْءٌ مِنْ جُروحِ الرُّوحِ تَوْقاً
إِلى أرضٍ تُعاني ما تُعاني
تَأَصَّلَ في العِظامِ فَلَيْسَ يَرْوَى
وَلَوْ سالَتْ لَهُ الدِّيَمُ الدَّواني
وَ "حَيْفا" اليَوْمَ دَمْعَةُ جَفْنِ عِزٍّ
هَمَتْ بِالقَهْرِ بَيْنَ يَدَيْ هَوانِ
وَحُرْقَةُ لَوْعَةٍ سَعَرَتْ جَواها
جِراحاتٌ تَنَزَّتْ في الحَواني
وَآهاتُ تَردَّدَ خَفْقَ وَجْدٍ
صَداها في سُوَيْداءِ الجَنانِ
غُصِبْناها عَلى كَرْهٍ فَأَمْسَتْ
تَراوَحُ بالظُّنونِ وَبالأَماني
وَتُرْسَمُ بالتَّوَهُّمِ طيفَ وَصْلٍ
يَرِفُّ عَلى مَدامِعِنا القَواني