أدعوكِ أرضي و فِلسطين الجسَد* - حلمي الزواتي

(1)
أُخَبِّئُ قَلبِيَ يَوْماً
لأَنْساكِ دَهْراً، فأَهْواكِ أَكْثَرْ
وَ أَعْصِرُ جُرحي سَنابِلَ قَمْحٍ
وَ كِسْرَةَ خُبْزٍ
وَ زَيْتاً وَ زَعْتَرْ
وَ أُبْحِرُ خَلْفَكِ دَهْراً مِنَ العِشْقِ
أُوْلَدُ في راحَتَيْكِ شَهيداً
فَأَنْمو وَ أَنْمو وَ أَكْبَرْ
وَ مُنْذُ التَقَيْنا التَحَمْنا
فَكانَ وُ جوديَ يَصْحو وَ يَسْكَرْ
وَ مُنْذُ التَقَيْنا انْتَهَيْنا،
فَكُنْتِ النَّعيمَ وَ كُنْتِ العَذابَ
لِقَلبي المُعَثَّرْ
(2)
أُخَبِّئُ قَلْبي....!!
لِماذا....؟!
وَ ما كُنْتُ أَعْشَقُ لَهْواً
وَ ما كُنْتُ أُبْحِرُ سِرَّاً
تَوَقَّفْتُ...
قالَتْ لِيَ الرِّيحُ أَسْرارَها
وَ قالَتْ لِيَ الشَّمْسُ أَخْبارَها
فَامْتَشَقْتُ يَدي مِنْ جِراحي
وَ لَمْلَمْتُ حُلْماً تَبَعْثَرَ في جَبْهَتي
وَ حُلْماً تَطايَرَ في مَوْعِدٍ غامِضٍ
في خَلايا الأَصيلْ
أُحِبُّكِ....
قالَت لِي الآنَ: فيمَ الرَّحيلْ؟
أُحِبُّكِ فَلْنَبْدأِ المَوْتَ وَ المُسْتَحيلْ
وَ فَجَّرْتُ آخِرَ جُرْحٍ بِصَدْري
لِتَبْتَدئَ الشَّمْسُ قَبْلَ المَغيبْ
وَ كانَتْ عُيونُ الحَبيبْ
تُتَرْجِمُ دقَّاتِ قَلْبي
وَ تَشْهَدُ أَنَّ دَمي صالِحٌ للنَّزيفْ
وَ كانَت تُفَرِّخُ في جَبْهَتي
حُقولاً مِنَ الدِّفْءِ
كانَتْ تُحاصِرُ شَمْسَ الجَليلْ
(3)
أُخَبِّئُ قَلبي...!!
لِماذا...؟
وَ ما كانَ عِشْقِيَ زَهْواً
وَ ما كانَ حُبِّيَ لَهْواً
فَهذا دَمي فَتِّشوهْ
سِتونَ عاماً
وَ شَيْخُ القَبيلَةِ عَبْرَ جِراحي يُسافِرْ
سِتُّونَ عاماً
مِنَ القَمْعِ وَ القَهْرِ تَحْتَ ضُلوعي تُهاجِرْ
سِتُّونَ عاماً أُفَتِّشُ عَن مَوْطِنٍ يَحْتَويني
سِتُّونَ عامًا وَ صَدْرِيَ شُبَّاكُ نارْ
وَ ما كَفَّ قَلبي عَن ِ العِشْقِ يوْماً
وَ ما كَفَّ يَوْماً عَنِ الانْتِحارْ
وَ ما كانَ يَوماً يُحِبُّ المَنافي
وَ لا الإنْتِظارْ
(4)
أُحِبُّكَ...
قالَتْ لِيَ الرِّيحُ بَعْضَ الوَصايا
وَ قالَتْ لِيَ الآنَ أَشْياءَ شَتَّى
عَنِ العِشْقِ وَ المَوْتِ وَ الالْتِصاقْ
وَ كانَ الرَّحيلُ يُحاصِرُ أَطْرافَ قَلبي
وَ كانَ يُصادِرُ أَملاحَ دَمْعي
وَ كانَ ..وَ كانْ..
لِماذا نُغادِرُ هذا الزَّمانْ
وَ تِلْكَ التي ذَوَّبَتْني
التي أَحْرَقَتْني
تُباعِدُ بَيْني وَما بَيْنَ حُلْمي
وَ تَفْصِلُ دَمِّيَ عَنْ لَوْنِهِ
تُجَرِّدُ قَلْبيَ مِنْ نَبْضِهِ
وَ تَمْضي بِلا مَوْعِدٍ لِلْعِناقْ
(5)
أُخَبِّئُ قَلبي...!!
لِماذا...؟
وَ ما كانَ حُلْماً
وَ ما كانَ عِشْقاً وَ لكِنَّهُ الانْصِهارْ
وَ كُلُّ التَّفاصيلِ ضاعَتْ
فَضاعَ دَليلي وَ ضَلَّ المَسارْ
وَ تِلكَ التي مَزَّقَتْني التي كَفَّنَتْني
تَجيءُ وَ في صَدْرِها أَلْفُ ثارْ
وَ تَجْعَلُ كَفِّيَ جِسْراً لِخَيْلِ القَبيلَهْ
وَ لَمْ تَكُ لَحْماً
وَ لَمْ تَكُ عَظْماً
وَ لكِنَّها الأَرْضُ وَ الإخْضِرارْ
وَ ما كانَ حُبّاً
وَ ما كانَ حُلْماً
وَ لكِنَّهُ المَوْتُ وَ الإحْتِضارْ
_______________
(1) من ديوان "تَرفضُ السّرجَ الجِيادُ"، بيروت: مؤسسة السنابل الثقافية، 1982. ص ص 37-53.