آتونَ مِنْ مُدُن ِالرَّمَاد - حلمي الزواتي

قيلَ لناجي العلي: أيُّ البلادِ أحبُّ اليك؟ فقال: فلسطين. فقيل له: ثم أي؟
فقال: فلسطين. ثم قيل: ثم أي؟ فقال: فلسطين، و ما زال يرسمُها حتى
أطلق على فمه الرّصاص… الى ناجي العلي شهيدا في معركة بلاط
الشهداء من المحيط الى الخليج….
*
خـَجِلٌ أحْمِلُ قِنْديلي
وَ أُفَتِّشُ بِالإبْرَةِ عَنْ وَطَن ٍوَ أُغامِرْ
خـَجِلٌ أَبْحَثُ عَنْ وَطَن ٍفي وَطَني وَ أُهَاجِرْ
خـَجِلٌ أَتَفَرَّسُ فِي لُغَةٍ
لا تُشْعِلُ أُحْرُفَها غَضَباً
لا تَعْرِفُ كَيْفَ تُقاتِلْ
مَنْ مِنَّا يَعْرِفُ كَيْفَ يُقاتِلْ؟
إِنَّ العالَمَ لا يَقْدِرُ أَنْ يَمْنَعَ شِبْلاً
فِي بَيْتِ المَقْدِس ِ…
فِي البَصْرَةِ
أَنْ يَحْمِلَ سُنْبُلَةً وَ يُقاتِلْ
إِنَّ العالَمَ لا يَقْدِرُ أَنْ يَقْتُلَ طِفْلاً فِي غَزَّةَ
يَحْمي مَلْعَبَهُ وَ يُقاتِلْ
أَعَرَفْتُمْ
يَا تُجَّارَ المَوْت ِالفَاخِرِ
كَيْفَ نُقاتِلْ؟
أَعَرَفْتُمْ كَيْفَ نَخيلُ البَصْرَةِ فِي الجَبْهَةِ
يَحْمي شَاطِئَهُ وَ يَقَاتِلْ؟
* * *
الوَقْتُ صَبَاحاً
وُجْهَتُنَا البَصْرَةُ
غَيْمٌ يَتْبَعُنَا وَ يُسَافِرْ
مَطَرٌ يَقْطُرُ كَالشَّهْدِ عَلى الأَهْدابْ
ضَوْءٌ فِضِّيٌّ يَتَسَرَّبُ فِي لَحْم ِالأَرْض ِ
يُغَيِّرُ أَلْوانَ القَوْس ِ القُزَحِيِّ
وَ يَبْحَثُ عَنْ جَسَدٍ وَ يُغَادِرْ
يَا هذا الجَسَدُ الفِضِّيُّ المُتَلأْلِئُ بِالغُرْبَةِ
كَمْ أَغْرَتْكَ النَّظْرَةُ لِلْنَّخْل ِالعَرَبِيِّ
فَكَيْفَ تُهاجِرْ؟
كَيْفَ تَكَوَّنَ هذا الليْلُ
وَ شُقَّتْ أَرْحَامُ النِّسْوَةِ فِي أَرْض ِفلِسْطينَ
وَ كَيْفَ امْتَلأَتْ هذي الأَرْضُ خَنَاجِرْ؟
وَ دِمَاءُ الأَطْفالِ الرُّضَّع ِ
كَيْفَ انْداحَتْ كَعَصيرِ التُّوتِ البَرِّيْ!
منْ أَرْخَصَ هذا الدَّمَّ
وَ أَشْعَلَ آبَارَ النَّفْطِ العَرَبِيْ؟
* * *
وُجْهَتُنَا البَصْرَةُ
وَ البَصْرَةُ صَامِدَةٌ
وَ نِسَاءُ البَصْرَةِ شَامِخَةٌ كَالنَّخْل ِالعَرَبِيِّ
اسْتَوْقَفَني النَّخْلُ
امْتَدَّتْ إِحْدى النَّخْلاتِ وَ قَالَتْ فِي خَفَر:ٍ
مَنْ هذا الرَّاحِلُ؟
قُلْتُ أَنا مِنْ أَرْض ِفلِسْطينْ
وَ عَلامَاتي فِي ظَهْرِيَ سِكِّينٌ
فِي صَدْرِيَ إِسْفينْ
وَ بِلادي بِيعَتْ لَيْلاً
كَانَتْ تُذْبَحُ مَهْلاً مَهْلاً
وَ طَويلُ العُمْرِ
يُقَصِّرُ عُمْرَ النَّاس ِ،
يَقُصُ جَديلَتَها،
وَ يُمَزِّقُ ثَوْبَ طَهَارَتِهَا،
وَ يُصَادِرُ - عُنْفا ً- دَمْعَتَها …
كَانَ طَويلُ العُمْرِ ذَكِيًّا
وَ يُشارُ إِلَيْهِ بِذِي القَرْنَيْن ِ
وَ قُرونٌ أُخْرَى تَرْبِضُ تَحْتَ عَمَامَتِهِ
يُخْفيهَا مُنْذُ سِنين ٍ
يَا أُخْتَاهُ…
لَقَدْ بِيعَتْ فِي الليْل ِ فِلسْطينْ!!
* * *
مَوْعِدُنا البَصْرَةُ
كَانَ الوَقْتُ شِتاءً
وَ النَّخْلُ الأَخْضَرُ بَحْرُ حَنينْ
كَانَ النَّخْلُ قَبَيْلَ الفَجْرِ
يُؤَدِي رَكْعَتَهُ
وَ البَصْرَةُ تَحْضُنُنَا فَرْدَاً فَرْدَاً
أَوْقَفْتُ بِبَابِ البَصْرَةِ رَاحِلَتِي
أَسْتَذْكِرُ مَاضِيهَا الحَاضِرَ
فَاضَتْ عَيْنَايَ مِنَ الدَّمْع ِ
بَكَيْتُ … بَكَيْتُ ..
وَ سَلَّمْتُ عَلى البَصْرِيِّ
وَ كَانَ البَصْرِيُّ يُرَاجِعُ أُبْوابَ كِتَابِ العَيْن ِ
وَ عُيُونُ الأَطْفَالِ بِغَزَّةَ
تُفْقَأُ عَيْناً عَيْناً
وَ عُيُونِي كَانَتْ تَقْذِفُ نَاراً وَ سَنَابِلْ
آهٍ … يَا نَخْلَ البَصْرَةِ
كَمْ يُغْريِني هذا العِشْقُ
قُطُوفاً دَانِيَةً بِرَصَاص ٍ وَ قَنَابِلْ
عَانَقْتُ السَّيَّابَ
وَ كَانَ السَّيَّابُ عَلى البَحْرِ يَمُدُ جَنَاحَيْهِ
كَانَ يُتِمُّ صَلاةَ الشِّعْرِ بِبَيْتَيْن ِأَخِيرَيْن ِ
وَ كُلُّ الأَنْجُم ِكَانَتْ تَسْقُطُ فِي كَفَّيْهِ
وَ شَظَايَا الرِّدَّةِ ظَاهِرَةٌ فِي جَنْبَيْهِ
كَانَ يُوزِّعُ أَوْزانَ قَصِيدَتِهِ
البَصْرَةُ صَامِدَةٌ ..
صَامِدَةٌ .. البَصْرَةُ صَامِدَةٌ
فَعْلُنْ فَعِلُنْ فَعِلُنْ
وَ يُرَدِّدُ أَطْفالُ البَصْرَةِ
نَصْرٌ… نَصْرٌ
فاكْتَمَلَ الوَزْنُ