ملصَقات حمراء عَلى صَدر الوَطن* - حلمي الزواتي

ُ
(1)
هُوَ الدَّمُ أَخْضَرُ
يَجْري منَ القَلْبِ للأَرضِ
يَجتازُ كُلَّ الحُدودِ وَ كُلَّ المَعابِرْ
قالَتْ لِي الآنَ "عَزَّةُ" شَيْئاً عَنِ الحَرْبِ
قالَتْ لِيَ الآنَ بَعْضَ التَّفاصيلِ:
بَغْدادُ تَحْتَلُّ كُلَّ العَواصِمْ..
وَ تَجْتاحُ كُلَّ المَحاوِرْ
وَغَزَّةُ تَمْضي إلى البَحْرِ
تَنْفُضُ عَنْ ساعِدَيْها الرَّمادَ
وَ تُرْخي جَميعَ الضَّفائِرْ
وَ "عَزَّةُ" تَأْتي
تُذيعُ بَياناً عَن ِالصَّمْتِ وَ القَحْطِ
تَلثُمُ بِالوَجْدِ طَرْفَ البِلادِ
وَ تَمْضي
(2)
هُوَ الدَّمُ أَخْضَرُ
يَجْري مِنَ القَلْبِ لِلقَلْبِ
يَعْبُرُ كُلَّ الحُدودِ
وَ يَحْرِقُ بِالنَّارِ وَجْهَ القَوافي
يُذيبُ المَسافَةَ ما بَيْنَ جُرْحي
وَ صَدْرِ بِلادي وَ كُلِّ المَنافي
يُفَجِّرُ صَمْتَ الليالي
وَ يُلغي المَسافَةَ بَينَ الخُيولِ وَ بَيْنَ الصَّهيلْ
وَ بَيْنَ النَّخيلِ وَ كَرْم ِالخَليلْ
وَ "عَزَّةُ" تَأتي
لِتَعْصِبَ قَلبي وَ تَلْثُمَ جُرْحي
وَ تُخْبِرُني الآنَ أَنَّ الطَّريقَ إلى القُدْسِ دَرْبي
وَ أَنَّ الخُيولَ التي "لَمْ تُعَوَّدْ صُعودَ الجِبالِ"
وَ خَوْضَ المَعارِكِ لَيْسَتْ بِخَيْلي
(3)
هُوَ الدَّمُ أَخْضَرُ
لا شَيْءَ غَيْرُ الدِّماءْ
وَ لَيْسَ سِوى الحُبِّ وَ المَوْتِ
دَرْبُ الفِداءْ
فَتَنْهَضُ في قَلبِيَ الآنَ سَعْفَةُ نَخْلٍ
تَصيحُ:
أَنا الأَرضُ جَرَّبْتُ قَحْطَ السَّنينْ
أَنا الأَرضُ سِرٌ دَفينْ
أَنا الأَرضُ نارٌ وَ عَزْمٌ رَصينْ
أَنا الحُبُّ وَ الشَّهْدُ وَ العُنْفُوانُ
أَنا المَوْتُ وَ البَعْثُ
إِنِّي عَلى العَهْدِ لَنْ أَنْثَني
وَ بَيني وَ بَيْنَ عَليٍ مَواعيدُ لَنْ تَنْتَهي
فَكُلُّ المَصاحَفِ فَوْقَ الرِّماح ِتُمَزِّقُ جُرْحي
وَ جَيْشُ يَزيدٍ وَ عَوْرَةُ عَمْرو ٍتَقَبِّحُ وَجْهي
فَعَمْروٌ يُريدُ الخِلافةَ مِنْكَ وَ مِنِّي
وَ عَمْروٌ يُمالِىءُ كِسْرى
وَ يَقْطَعُ رَأْسَ الحُسَين ِ
وَ عَمْروُ الذي باعَ مَسْرى الرَّسولِ
وأَشْعَلَ في الليْلِ كُلَّ الحُروبْ...
يَزْرَعُ فِينا جِراحَ الزَّمانِ
وَ يَمْضي
(4)
هُوَ الدَّمُ أَخْضَرُ
يُشْعِلُ فينا جِراحَ السِّنينْ
وَ يَبْعَثُ "صِفِّينَ" يَوْماً حَزينْ
فَتُزْهِرُ فينا الدِّماءْ
وَ يَكْبُرُ فينا الفِداءْ
وَ يَأْتي العَطاءُ وَراءَ العَطاءْ
وَ تُصْبِحُ يافا عَلى بابِ جَدَّهْ
وَ تَهْجَعُ بَغدادُ في حِضْن ِغَزَّهْ
فَيولَدُ عَهْدٌ طَوَتْهُ الرِّياحْ
وَ يَبْزُغُ فَجْرُ الفِدى وَ الكِفاحْ
________________
(1) من ديوان "تَرفضُ السّرجَ الجِيادُ"، بيروت: مؤسسة السنابل الثقافية، 1982. ص ص 73-87.