تَرفُض السَّرجَ الِجياد* - حلمي الزواتي

الى الجوادِ العربي الجامِح، الذي أَدمى قدميه التّرحال ... الى ماجِد أبو شرار (*)
(1)
وَ تَمْضي القَوافِلُ
يَا أيُّها العاشِقُ الآنَ انْهَضْ وَ قِفْ
وَعُجْ بِالدِّيارِ الحَزينَةِ .. عَرِّجْ وَ طُفْ
تَعالَ نُقاسِمْكَ جُرْحَكَ
فَالجُرْحُ خُبْزٌ وَ مِلْحْ
تَعالَ فَفي شَهْرِ تَشْرينَ بَاعُوا بِلادي
وَ في شَهْرِ تَشْرينَ قَهْرُ الأَعَادي
وَ في شَهْرِ تَشْرينَ تُطْلِقُ "دُورا"(4) عَنانَ الجِيادِ
(2)
وَ تَمْضي القَوافِلُ.. تَأتي القَوافِلُ
يَا أَيُّها العَاشِقُ المُغْتَرِبْ
يَا أَيُّها المَاجِدُ العَاصِفُ المُلتَهبْ
لِماذا تَناثَرْتَ حَقْلاً مِنَ القَمْحِ في سَهْلِ "يَافا"
لِماذَا تَدفَّقْتَ نَهْراً مِنَ العِشْقِ
غَابَةَ دِفْئ ٍ وَ حُبْ؟
لِماذا.. لِماذا.. لِماذا؟
فَهَلْ كُنْتَ تَعْلَمُ
أَنَّ الطَّريقَ إلى صَدْرِ "دُورا"
يَمُرُّ بِأَبْوابِ "رُوما"؟
وَ هَلْ كُنْتَ تَعْلَمُ
أَنَّ الدِّماءَ الَّتي تُسْتَباحُ
تُذيبُ المَسافَةَ بَيْنَ العَذابِ وَ بَيْنَ الغَضَبْ؟
(3)
عَنَاقيدُ "دُورا" تُحاصِرُ طَعْمَ الدَّوالي
وَ "فَاطِمَةُ" (5) الآنَ تَأْتي
تُفَجِّرُ صَمْتَ اللَيالي
تُهَرِّبُ دِفءَ الفُصولِ لِمَوْزِ "أَريَحا"
وَتُرْخي جَدائِلَها الآنَ
تَحْمِلُ بِالأَمَلِ الثَّوْرَوِيْ
وَ لَكِنَّ شَيْخَ القَبيلَةِ
يَرْفُضُ أَنْ يَمْنَحَ الشَّمْسَ طَلْقَ الوِلادَهْ
وَ يُعْلِنُ فِي الفَجْرِ حَرْبَ الإِبادَهْ
وَ فَاطِمَةُ الآنَ تَمْضي
تُغَنِّي نَشيدَ الرُّجُوعِ
وَ تَجْعَلُ مِنْ ساعَِديْها جُسوراً جَديدَهْ
فَيبزُغُ فَجْرٌ وَ تُشْرِقُ شَمْسٌ
وَ يَنْبُتُ عُشْبٌ رَوَتْهُ الدِّمَاءُ الشَّهيدَهْ
(4)
تَذوبُ المَسَافَةُ مَا بَيْنَ"رُوما" وَ كَرْمِ "الخَليلْ"
وَ تَخْرُجُ "بَيْروتُ" فِي مَوْكِبِ النَّصْرِ
تَلْتاعُ شَوْقاً لأَِرْض ِ"الجَليلِ"
وَ تَعْبُرُ دَرْبَ المَوَدَّةِ
تَحْرِقُ بِالنَّارِ وَجْهَ الدَّخِيلْ
تُعيدُ العَلاقَةَ بَيْنَ الخُيولِ وَ بَيْنَ الصَّهيلْ
وَ "دَالِيَةُ" (6) اليَوْمَ تَخْرُجُ
تَشْهَدُ عُرْسَ أَبيها
فَتَمْرَحُ فَرْحَانَةً بِالهَدايا الجَديدَهْ
تُخَبِّىءُ تَحْتَ الضَّفائِرِ أَسرارَ شَتَّى
تُلَخِّصُ سِرَّ الحَياةِ
وَ سِرَّ المَماتْ
وَ تَشْرَحُ كَيْفَ الرَّبيعُ يُهاجِرُ عَنْ أَرْضِنا
وَ كيف الهَزيمَةُ تَنْخُرُ أَضلاعَنا!
وَ تُعْلِنُ أَنَّ المَسيرةَ لَيْسَتْ بِحَجْم ِالطُّبُولْ
وَ أَنَّ المَعارِكَ لَيْسَتْ بِنَوْعِ الخُيُولِ
وَ لكِنْ بِصُلْبِ الإِرادَهْ
(5)
يُحاصِرُني العِشْقُ يَا أَرْضَ "دُورَا"
فَأَحْشُو جِراحِي بِنارِ الغَضَبْ
أُفَجِّرُ صَدْرِيَ بُرْكَانَ ثَأْرٍ
أُرَوِّي بِدَّمِيَ عُشْبَ النَّقَبْ
فَأُبْصِرُ "بَاجِسَ"(7) يَعْصِرُ فِي كَفِّهِ الصَّخْرَ
يَسْتَلُّ فِي "الجُوفِ"(8) مِنْ صَدْرِهِ قُنْبُلَهْ
وَ يَسْتَلُّ مِنْ جُرْحِهِ خِنْجَرَهْ
وَ مِنْ شَفَتَيْهِ يَسيلُ النَّدى
وَ فِي مُقْلَتَيْهِ انْتِهاءُ العِدى
هكَذا.. هكَذا.. هكَذا..
تَلَمَّسْتُ جُرْحاً نَما فِي الوَطَنْ
وَ جُرْحاً تَفَجَّرَ رُغْمَ المِحَنْ
عَواصِفَ يُولَدُ مِنها الصَّباحْ
وَ شَمْساً تُقاوِمُ تِلْكَ الدَّياجي
تُعانِقُ فَجْرَ الفِدى وَ الكِفاحْ
(6)
يُهَدْهِدُني الوَلَهُ الزَّعْتَرِيُّ
فَأَمْسَحُ جُرْحي بِجُميزِ "غَزَّهْ"
وَ فِي البَحْرِ حِينَ أُسَافِرُ
يَسْكُنُني هَاجِسان:
بِلادي وَعَيْنا "سَماءْ"(9)
وَ فِي سَاعَةِ الصِّفْرِ وَ الالتِحامِ
تَناثَرتُ عِقْداً عَلى جِيدِ "دُورا"
سِلاحا فَريداً بِأَيدي "سَلامْ"(10)
وَ حِينَ أُسَافِرُ فِي مَوْكِبٍ لا يَعودُ
أُعَلِّقُ قَلْبي عَلى بابِ "بَيْروتَ"
أَذْكُرُ أَنِّي نَهَضْتُ
وَ أَشْهَدُ أَنِّي بَكَيْتُ
وَ أَنِّي ابْتَدأْتُ وَ أَنِّي انْتَهَيْتْ
وَ أَذْكُرُ يَا أَيُّها العِشْقُ
يَا ذَا الذَي قَدْ تَجَذَّرَ فِي كُلِّ جِسْمي
لِمَاذا تُحَمِّلُني كُلَّ هَذا التَّعَبْ
وَ أَنْتَ الذَي يَعْرِفُ الفَصْلَ
مَا بَيْنَ "رُوما" وَ حِلْمي
وَ يَعْرِفُ كَيْفَ يُفَرِّقُ
بَيْنَ التُّرابِ وَ تِبْرِ الذَّهَبْ
(7)
وَ فِي شَهْرِ تَشْرينَ أَمْتَدُّ فِي الأَرْض ِ
أَزْرَعُ فِي الظِّلِّ حُلْماً جَديدا
وَ فِي شَهْرِ تَشْرينَ تَجْتاحُ "رُوما" الدِّمَاءُ
فَيَكْثُرُ فِي سَفْحِ "دُورَا" العَطاءُ
وَ تَسْتَيْقِظُ الأَرْضُ
تُنْشِدُ شِعْراً شَهيدا
وَ فِي شَهْرِ تَشْرينَ أَغْفُوا وَ أَنْمُو
وَ يَشْتَدُّ عُودي
وَ تُصْبِحُ كَفِّيَ حَقلْاً بَعيدا
وَ في شَهْرِ تَشْرينَ تُوقِظِنُي الأَرْضُ فِي الفَجْرِ
كَيْ أَشْهَدَ الصُّبْحَ،
كَيْ أَفْتَحَ الجُرْحَ،
أَفْرشُ بِالنَّارِ جِسْمي
وَ أَعْزِفُ لَحْناً شَريدا
(8)
يَجِيئُونَ يَا أَيُّها الفَرَحُ اللوْلَبِيُّ
فَيَنْسابُ لَوْني كَحُزْنِ القَمَرْ
َو أَخْرُجُ مِنْ حاجِزِ الصَّوْتِ وَ اللوْنِ
أُبْصِرُ بَلُّوطَ "دُورا" يُغادِرُ دُنْيا الشَّجَرْ
وَ يَزْحَفُ كَالليلِ
لكِنَّ فِيهِ صَواعِقَ مَشْحُونَةً بِالخَطَرْ
فَأَوْقَفْتُ قَلْبِي عَلَى بَابِ "دُورا":
تَسَاءَلْتُ فِيمَ الرَّحيلُ وَ فِيمَ السَّفَرْ؟!
وَ جُرْحي اخْتِصَارُ المَسافاتِ
مَا بَيْنَ "رُوما" وَ "دُورا" وَ لَونِ الزَّهَرْ
وَ أَنَّ دِمَائي الَتي سَدَّتِ الشَّمْسَ
مَدَّتْ يَدَيْها لِعُشْبِ السَّماءِ
وَ فِي الشَّمْسِ رَائِحَةُ الانتِظَارِ
وَ فِي الأَرْضِ رائِحَةُ الانْتِشَارِ
وَ ظِلُّ الحَجَرْ
(9)
تَهْوي الغُصُونُ
وَ كُلُّ شُيوخِ القَبيلَةِ حَوْلي
يَبيعونَ دَمِّي بِسِعْرِ المَزادْ
فَأَهْرُبُ مِنْ مَوْكِبٍ فِيهِ بِاسْم ِ البِلادِ
تُباعُ البِلادْ
وَ مِنْ دَعْوَةٍ لِلجِهادِ
وَ لا شَيءَ فيها يَقُودُ الجِهادْ
لِهذا تَنَاثَرْتُ فَوْقَ فِلِسْطينَ قَطْراً
وَ صَارَتْ ضُلوعِي حِراباً
وَ صَارَتْ دِمائي مِدادْ
(10)
مِنَ البَحْرِ للِْبَحْرِ جُرْحي
وَ دَمِّيَ مُرُّ المَذَاقْ
"حَميدَةُ" (11) كُفِّي عَن ِ العِشْقِ
فَالوَجْدُ نَارٌ وَ قَتْلٌ وَ دَاءْ
أَنا مَا انْتْهيْتُ
وَ لكِنَّني قَدْ زَرَعْتُ عِظامِي إِلى سَاعِدِكْ
وَ عْينايَ لا تَعْرِفانِ البُكاءَ
دَعِيني أُهَاجِرُ عَنْ نَاظِرِكْ
فَنَحْنُ تَنَاسَلَ فِينا البُغاةْ
وَ نَحْنُ تَكاثَرَ فِينا الطُّغاةْ
وَ نَحْنُ مِنَ المَاءِ للماءِ صِرْنا زُنَاةْ
________________
ملاحظات:
(*) من ديوان "تَرفضُ السرجَ الجِيادُ"، بيروت: مؤسسة السنابل الثقافية، 1982. ص ص11-35.
(*) استُشهدَ في روما صَباح 9/10/1981.
(4) بلدةُ الشّهيد ماجِد أبو شَرار.
(5) أم الشّهيد ماجِد أبو شَرار.
(6) ابنة ُ ماجِد الصّغرى.
(7) هو باجِس ابوعَطوان، أحدُ شُهداء دُورا.
(8) اسم المنطقةِ التي استُشهدَ فيها باجِس.
(9) ) ابنةُ ماجِد الكبرى.
(10) ابنُ ماجِد الوَحيد.
(11) هِيَ عَمَّة ُالشّهيد باجِس. قطعَ اليهودُ الصهاينة ُيدَها اثناءَ المعركة ِفي خِربةِ الطبَقة القريبةِ مِن دورا.