البَغْدادِيَّة - حلمي الزواتي

كَابَدْتُ حُبَّكِ فِي صَبْوي وَ فِي رَشَدي
وَ حَمَلْتُ جُرْحَكِ فِي قُرْبِي وَ فِي بَعَدي(1)

وَ سَهـِرْتُ لَيْلَكِ مُلْتَاعَاً يُؤَرِّقُني
جُرْحٌ تَفَتَّقَ فِي رُوحِي وَ فِي جَسَدي

قَدْ فَجَّرَ الحَقُ فِي أَحْشائِنا حِمَماً
يَومَ اللقاءِ، فَلمْ نَجْبُنْ وَ لَمْ نَحِدِ

وَ عانَقَ المَجْدُ شَمْسَ العُرْبِ مُنْتَشِياً
وَ اسْتطلَعَ النَّصْرَ فِي بِشْرٍ وَ فِي رَغَدِ

حَنا عَليْنا وَ نُورُُ اللّهِ يَغْمُرُنا
وَ العادِياتُ بِساح ِالحَرْبِ لَمْ تَرِدِ

قَدْ أشْرَقَ النَّصْرُ يا بَغدَادُ وَ انْطَفَأَتْ
نَارُ البُغاةِ، فَما عَادُوا وَ لَمْ تَعُدِ

*****

حَلَفْتُ بِاللّهِ يَا بَغْدَادُ مَا كَذَبَتْ
هَذي الجُمُوعُ وَ لَمْ تَـكْفُرْ بِمُعْتَقَدِ

فَغَايَةُ النَّفْسِ أَنْ نَسْقي الثَّرى دَمَنَا
يَوْمَ الطِّعانِ، وَ نَلْقَى الخَصَمَ فِي جَلَدِ

إِنَّا جَعَلْنَا لَهُ الأَنْبَارَ مَقْبَرَةً
لَمْ نَرْهَبِ المَوْتَ أَوْ نَقْعُدْ عَلى ضَمَدِ(2)

هَذي الشَّقَائِقُ مِنْ أَوْدَاجِهـِمْ رُوِيَتْ
وَاعْشَوْشَبَ الرَّوْضُ رَيَّاناً إِلى الأَبَدِ

مَنْ لَمْ تُشَيِّعْ بَنيهَا وَ هْيَ شَامِخَةٌ
إِلى المَعارِكِ مَا عَاشَتْ وَ لَمْ تَلِدِ

*****

هَذي جِرَاحِيَ يَا بَغْدادُ مَا بَرِحَتْ
شَجْوَ الزَّمَانِ وَ لَيْلاً طَالَ مِنْ أَمَدِ

أَيْنَ الجُيُوشُ، جُيُوشُ العُرْبِ زَاحِفَةٌ
أَيْنَ الأُبَاةُ؟ لِمَاذَا بَعْدُ لَمْ تَفِدِ!!

فِي كُلِّ شِبْرٍ شَظايَانا مُبَعْثَرَةٌ
لانَ الحَديدُ لَنَا وَ القَوْمُ فِي صَدَدِ

هُمْ يَأْ ُكلوُنَ لُحُومَ الشَّعْبِ نَيِّئَةً
وَ يَسْفَحُونَ دِنَاناً دُونَمَا عَدَدِ

الرَّاقِصُونَ عَلى أَشْلائِنا فَرَحاً
الكَاذِبُونَ وَ مَا قَالُوا عَلى فَنَدِ

العَارِبونَ وَ نَارُ الحِقْدِ تَلْفَحُهُمْ
وَ الحَاكِمُونَ بِحَدِّ السَّيْفِ وَ الزَّرَدِ

وَ الرَّافِعُونَ لِواءَ العَارِ مُذْ وُلِدُوا
وَ الخَافِضُونَ جَناحَ الذُّلِّ عَنْ عَمَدِ

قَدْ أَسْلَمُوهَا لِجَيْشِ الغَزْوِ فِي دِعَةٍ
وَ اسْتَعْذَبُوا الذُّلَ فِي صَمْتٍ وَ فِي خَلَدِ

إِنَّ الأَيَادِيَ يَا بَغْدَادُ مُوثَقَةٌ
قَدْ كَبَّلُوهَا بِأَحْبَالٍ مِنَ المَسَدِ

*****

حُورِيَّةٌ أَنْتِ يَا بَغْدَادُ فَارِعَةٌ
إِنِّي أُعِيذُكِ مِنْ شَرٍّ وَ مِنْ حَسَدِ

أَهْفو إِلَيْكِ وَ نَارُ الشَّوْقِ تَضْرِمُني
إِنِّي احْتَرَقْتُ وَ إِنِّي أَلْفُ مُتَّقِدِ

أُلَمْلِمُ الجَمْرَ مِنْ قَلْبِي وَ أَعْصِرُهُ
نَاراً تُذَوِّبُ صُمَّ الصَّخْرِ وَ الصَّلَدِ

فِي الأَعْظَمِيَّةِ أَوْ فِي الكَرْخ ِمَوْعِدُنَا
فِي القَادِسِيَّة،ِ فِي حِطِّينَ، فِي صَفَدِ

إِنِّي عَشِقْتُكِ يَا بَغْدادُ فِي وَلَهٍ
إِنِّي فَدَيْتُكِ فِي نَفْسِي وَ فِي وَلَدي

_______________

(1) البَعَد وَ البُعْدَة: ضِد القرْب.

(2) الضَمَد: الظلم.