كهف الذكريات - خضر محمد أبو جحجوح

باض السُّنونُو في عيوني
لـم أعد أبكيْ
ولا أشتاق للسّمّان يأتي في خريف الذكريات
باض الحجل
باض الحجرْ
باض الدُّجى في خافقي
ما عدت أطرب للرّبا .... وزهورها
بغداد تلهب صهوتي .... بدموعها
وأنا التسابق خطوتي ريح الأماني العاصفات .
وعلى الذُّرا الشماء أبني وكْـنَتي .
ما عدت أهفو للرفاق
غفوت أحلم يا أمية بالرشيد
وشرحة التموين
في اليرموك أو حطين
يا بيروت ما أبهاك ما أحلاكِ
في عينٍ تكحِّــل هُدْبَها بدمائها
معجونة مع حفنة البارود والأشلاءِ
غطي قامتي
أنا نائمٌ
أنا معتصمْ
* * * * * *
ماذا سأفعلُ
حين تدهمني فلولُ الهاربين من المساء ...؟!
ماذا سأفعل
حين أغفو ،
والمدينة تحتويني في أزقتها الضبابية
وضبابها يقتات دمِّي
في مقاهي الأمنيات ؟!
مددت ساقيَ في الهباء على الهواء الطّلقْ .
وحفرت ذاكرتي على جذع المدى البّراق
في وهج الصحاري .
وعلى جذوع السنديان
الأقحوان
الأغنيات
ومضيت وحدي غارقاً في بحر وجدي
ومضيت أضحك ... باكياً .
مترنحاً ... مترنماً .
( يا أندلس ...
يا أندلس ..
يا دمع قلبي المنبجسْ
جددت فيك رؤى هواي المحتبسْ
وصدى خيالي المندرس )
والأخطبوط يشدُّني من ذكرياتي الحالمة
وأنا أصيح بكم : " طيور الحي هاجت حائمة "
أنا حالمٌ ... أنا نائمٌ
أنا معتصم .
* * *
ونقشت نفسي يا زيادُ على سَوارٍ مُحْرقةْ .
والبحر يضحك ثـمَّ يمسح لحيتَه .
ويمدّ للإعصار كفاً راجفة .
ماذا سأفعل ... ؟!
حين أصحو والمراكب
ترفع العلم السماوي الجبينْ
والدم ينزف من خليج الرافدينْ
إلى مضيق الفاتحين
( كلا ) .
صرخت .
نزفت عمري في موانيها الحياة ،
ومضيت في صحراءِ هاتيك
الجراحِ النازفات .
وقفزت أجري .
نافضاً كفَّيَّ من همّ السنينْ
لا راكضاً نحـو المدى … كلاّ
ولا نحو الصَّدى .
فالصَّوت يصرخ في الليالي الحالمات :
( إنَّ الصحاري يا فلول التائبين الهاربين
من الدماء إلى الدماء تعج بالأحياء والموتى .
وعلى خطاهم ترسم الدنيا أماني الانطلاق إلى الضياء )
أغفيت .
لـم أسمع صدى صوتي
على باب المدائن
نائحاً ... أوصائحاً .... أوفاتحاً
يا يزدجرد .
هذا أوان الانطلاق إلى فناء الذكريات
الشمس تلعق جرحها . وتموء من ألم القتامِ
تعجّ بالوجع الضبابي المرير
وقرطبة
إشبيلية
وطليطلة
شربت مياه الأطلسي وما ارتوت .
وبكت على باب المضيق
تصيح : " يا بحرُ استفاق النائمون ...؟ "
فتجيبها قمم البرانس…:
" ليس بعد الغافقيِّ هنا رجال "
والشمسُ قالت ، والدُّجى يغفو على كفّ المحال :
( هذا أوان الشدّ والترحال
هذا أوان المدّ والزلزال )
ومضت تلملم جرحها بين الجبال
من ذا سيصحو حين أغفو
والشعاعُ على عيوني ينقش الذكرى
وقلبي باسطٌ كفَّيه
في باب المغارة ...؟!