يقول الغصن - خضر محمد أبو جحجوح

إذا ارتوت الشجرة من فيض عذبٍ، تقوى وتخضر أوراقها وتزهو براعمها وتطيب ثمارها، فإذا صارت ترتشف الماء مع تسربات تخالطه وأخلاط تمازجه وأحماض تلوثه، تذوي نضارتها وتتساقط أوراقها، وتتعفن ثمارها، وتجف وتتيبس يوما بعد يوم، ولا سبيل إلى قوتها وعافيتها، إلا بعودتها

____________

عـودي لروضـك إنَّ العُمـر دوّار
الوهم يسفي هواه المُـرَّ إعصـارُ

أين انتشار شذى الأنسـامِ مؤتلقـا
والروض يلثم فيه الـورد نـوَّارُ؟

تاهَتْ حمائمُه فـي الليـل هائمـةً
والبوم تؤويه فيـه اليـوم أوكـارُ

والفجْر؟- بات هواه الحزنُ ينهشه
أنَّى التفـتَّ يلـفّ النُّـورَ أسْتـار

ظلمـاءُ داجِيـةٌ حَمْـراء دامِـيـةٌ
مزاجها الحقْـد والأوهـامُ والعَـارُ

أين الرحيقُ ونحْل الروض يرشفـه
من ثغْـرِ زنْبقـةٍ تهديـهِ أزهـارُ؟

أين الجَمالُ، ووجهُ الـورد متشـحٌ
بالهمِّ يطوي بهاه المـوتُ والثـارُ

أين الضياءُ وزهـرُ الفُـلِّ ينْثُـرهُ
بين الرُّبـى ألقـاً تهـواه أقمـارُ؟

بيض القلوبِ ، ونور الفجر يعشقهم
والطهر توَّجهم، والحـبّ والغـارُ

أين الأحبـة والأسحـار تجمعهـم
جيلٌ لهُ في نيـاط القلـب تذكـارُ

تطوي محاسنهـم غربـان مقفـرةٍ
يزهو لها القفـرُ، والأطـلال آثـارُ

ربع الأحبَّة في الطوفان مضطـرب
لا فيـه زهـرٌ، ولا حـبٌّ وإيثـار

يا جذوتي اتقدي فالحزنُ في كبـدي
يفري حشاشته في القلبِ مسمـارُ

والظلمُ يرقصُ في الأنحَاء منتشيـا
يهوى تراقصَهُ فـي الحـيِّ زمَّـارُ

بات الصدى ثملا، والوجد مشتعـلٌ
والظلم يوريْ لظاه القهـرُ والنّـارُ

يا ويحَ قلبي مـنَ الأيَّـام مقبلـة
والزيفُ يشمخُ، والبنْيـان ينهـارُ

عودي لروضك إنّ الزهر منتحـبٌ
منذُ ارتحلنا، ودمع العيـن أنهـارُ

والمستهامُ بكته الـدار مـن ألـمٍ
منذ افترقنا، وترثي حالهـا الـدَّارُ

يا دارُ سدِّي رتاج الباَب وارتشفـي
كأس الندامـة؛ فالطوفـان جبَّـار

أو فاجمعي ما تبقـى مـن أحبتنـا
في زورق الصدقِ والرُّبَّانُ إصـرارُ