على مشارف المدينة - خضر محمد أبو جحجوح

على مشارف المدينة اتكأت أحتسي مرارتي
وأكتوي بغصتي
يلفني الضَّياع والرَّحيل والمساءْ
وذكرياتي
وطيف بيتنا القديم
وأخوتي وحارتي والأصدقاء
والعابرون في الطريق يرمقون بازدراءْ
ويعجبون.. يسألون في ذهول
بلكنة العجم
كأنهم أتوا من كوكب المريخ، في محارة الزمن
من الغريبْ؟
من أنت يا غريب؟!
كأنني أتيت من أوابد التاريخ!!
وكلما هممت بالجواب
تحجر الكلام في لساني
وردد الصَّدى في مهجتي
( أنا شريفكم
أفنيت عمري في بناء مجدكم!!
ليرتع الجميعُ في نعيم
أروِّض الوحوشَ، أقهرُ الذِّئَابَ والضِّباعَ
في دياركم
وأمنح الغزلان من دمي وسام عزها؛
لتنهر الوحوش واللصوص، حين تعتدي على مضارب القبيلة
والعاديات في دمي تصاهلت من سالف الأزمانِ
مضيت صاهلا ، وعدت صاهلا، وما أزال صاهلا،
جوادي الأصيل سابحٌ معي ... وما معي سوى الجوى
في أضلعيْ
ولا تزال في دمي غزالتي ترعى مع الحنينْ
فإن تبدَّلت ملامحي، فما تبدَّلت ألحاني
المسك من دمي تناثرت حبَّاتُه
فأورقت أغصاني
وأزهرت حدائقي الجميلة
وأينعت مرابعي الغنَّاء،
أنا؟
أنا كبيركم،
غزالتي (لو تعلمون كم أحبُّها) ذبحتها،
ورئمها الكحيلُ في البراري يرتجفْ
وناقتي وألف ناقة كمثل ناقتي
عقرتها لتشبعوا وترتعوا وتنعموا
في روضة الندى الفسيحْ
أتذكرون قهوتي وخيمتي ونخلتي
ونخوتي الأصيلة؟
أتذكرون في يدي النصالا؟!
تكسرت من عشقها الصيالا..
أتذكرون؟)
...
أوَّاهِ يا غزاليَ الطَّـريدْ
وآهِ يا عذاب رحلتي
أنا الذبيحُ يا غزاليَ الجريح
ذبحتُ عمري كي تواصل القوافل المسير والسفرْ
من الصحاري للربيع : الماء والوجه الصبوحْ
...
وجوههم كأنها الوجوه نفسها التي ألِفْتُهَا
زمانَ كان الناسُ طيبين يألفون يؤلفون...
لكنَّ هؤلاءِ مرغُوا قلوبَهم بشهوةِ الذئابْ
وبدلوا الإهابْ...
***
علَّقت عمري في مشاجب الوسن
جوار حائطٍ قديم في زقاقْ
وقلت في غدي أواصل المسير..
لكي أرى الأحباب والرفاقْ
وبيتنا القديم في المخيم الجديد
يُغطِّي سقفه القرميدُ والجريدْ
وبابه من الصفيح والخشبْ
وفي الصباح - إن كان ما أراه في ديارهم صباحا-
حملت أسمالي وسرت في طريقْ
والجوعُ يمضغ الجسدْ
والماء جفّ في فمي
وفي دمي
تدفقت مشاعر الكمدْ
وسرت حتى أُنهكت قوايْ
وهدَّني الإعياء والرحيلْ
والهمُّ في حقيبتي استراحا
وأدمن الغزال خلفي الصياحا
وامتصني التعبْ
من طرقي الأبوابا
وقهقه السغبْ
يمزمز اجتراح مهجتي الرحيلا
وصبرها الطويلا
ومرت ساعة وساعة،
والعمر كاد ينقضي
والشمس أوشكت تغيب
ولم أجد لبيتنا وإخوتي أثر
وكلما سألت لم أجد جوابا
والعابرون يسخرون ...يسألون ْ
من أنت يالغريب في ديارنا؟!
(وجوههم كأنَّهَا الوجوه عينها التي أحببتها، لكنهم وحوشْ
تغيرت أشكالها، قلوبهم مسوخ
في تربة الهوى تسوخْ)
مضيت في الطريق
يقودني جرحي وغربتي
وفي فؤادي عزَّتي
وفوق ربوة بعيدة غزالي الطريدْ
يمدُّ كفه مودِّعا ...
__________
الثلاثاء 24/4/2007