الأفعى والحسّون - خضر محمد أبو جحجوح

(مأساة جرح)
*
إذا قربتكَ دنوتَ إلى سرّ حتفِك
فعلَّم جراحك كيف تراوغُ لدغَ الأفاعي
وخبئ بجيبك إكسير سرّ الحياةْ
فبين الشقوق مزيدٌ من الموت والذكريات...
وبين تجاعيد قلبك سرُّ
ونهرٌ
وبحر
وناي
وألف حكاية
***
لماذا امتشقت حُسامك فيها
وأدمنت قرع الطبول لحربِ القبيلة؟!
لماذا ضفرت على كتفيها الجديلة؟
ويوم أفاقتْ تلوَّت على راحتيك قليلا قليلا
رويدا رويدا
لتزرع في وجنتيكَ النهاية
وتغرس فوق جبينك قُبْلةْ
وتذبح فيك وريدا وريدا
وأنت تغط بنومٍ عميق بعيد الصلاة
ورؤياك تعبق فيها روائحُ زهر وفلٍّ
ويهدي إليك الرحيل رحيلا
ويلثم فيك النخيلُ نخيلا
ويصهل فيك الصهيل صهيلا
وصوتك كيس من الملح غطى صداهُ
كأنك نايٌ تكسَّرَ في كفِّ ليلى
لتوقد نار أبيها
وتغزل مما تبقى خمارا
كأنك في كفِّ قيسٍ حطامُ رؤاهُ
- لماذا الأفاعي تلوّى نهارا؟
• ألست تراها تطارد صيدا جهارا؟
- بلى يابن أمِّي فلا تصفعنّي فإنِّي...
- رأيت الحساسينَ صرعى على راحتيها
سمعت الكنارى تسوخ ببطن الأفاعي
ولا يرحمُ الصلُّ شدو البلابل
فسيان هذا الصداحُ وصوت النعيقِ!!
وسيان قتل الحمام
وزغب الحواصلْ تبكي
وذبح الغراب...
- لماذا ....؟
لكي يمنحَ الدوريُّ هذي الأفاعي
كما يمنح الفأرُ والخنفساءُ...
- أيعجب أفعى الصحارى الجمالُ؟!..
فتهوى الحساسين بين الكناري؟
أتعرفُ سرَّ البهاءِ المخبّأ فيه الجلالُ؟
وليس تفرّق بين الغزالِ وفرخِ السُّنونو
***
لماذا امتشقت خطاك لتغزوَ بين القبائلْ
وعبسٌ تسميك عبدا
ويتقنُ شدادُ جَلْدك يابن القبيلة؟!
وأنت الأثير إذا ما ألمَّت مصيبةْ
وفارق كلُّ حبيب حبيبه
ألم تسفح الذكرياتُ مناها على حدِّ سيفك ؟!
وفي راحتيك غمامٌ وبحر وسيفُ!!
قناعك منذ ابتدأنا مع القومِ نورٌ
وتاجك غارُ
وهذي الصحارى تحني يديها بحتفك؟
وأنت تذوب حياء إذا ما غازلتك فراشة!!
ومرّت على شفتيك حروف الغزالةْ
وتصهل بين الشعاب
وتزأر فوق الهضابِ
إذا ما استباح القبيلة ظفرٌ وناب ومخلب!!
وتقطع رأس المذلَّة...
لماذا
لماذا؟
وعبس تناديك بعد مئات السنين لتملأ قعبك!!
وتصقلَ سيفك!!
وتحمي شعِبَك!!
وشيبوب يبكي على قدميك
ويُبكي عليك زبيبه
ويعبث بالشَّوكِ فوق الرمالِ
ويحصي الخنافس
وأنت غزال أثير
وليث هزبرُ
تصون حماها..!!
ليرفغَ شيخُ القبيلةِ في الوردِ واللازوردِ
ويشربَ حتّى الثُّمالة نخبكْ
ويأبى عليك الحياة الكريمة!!
***
إذا قربتك الأفاعي إليها فحتفك بين يديها
فعلم جراحك سرَّ الحياةْ
وخبئ بجيبك إكسير سرّ النجاةْ
وواصلْ مسارك حتى المماتْ
ومسِّد فؤادك بالرمل والشيحِ والزعفران
وأرسل جوادك بين الفيافي طليقا عتيقا!!
وباعد خطاك إذا سرت يوما على الجمر نحو الخميلةْ!!
*
مساء الخميس 4/9/2008
بعد صلاة التراويح