بدر التَّمام - خميس

أنت المسافرُ في الغمامِ ،
وأنتَ للنفس المرامْ .
فِرْدَوسُنا المفقودُ أنتَ ،
وحُلمُنا من ألف عامْ .
أرجوحةٌ للطفلِ أنتَ
يهزُّها حتى ينامْ .
والنورُ أنتَ ،
بطيفهِ السحريِّ يفتك بالظلامْ .
يا ملهم الشعراءِ ما كتبوه من عذب الكلامْ .
لولاك ما وُجِدَ الهوى
في الأرضِ ، أو عُرِفَ الغرامْ .
فأقِمْ هنا !
حتى يطيبَ العيشُ في هذا المقامْ .
فبدون ظلك كيف نحيا
في وفاقٍ وانسجامْ ؟
من سوف يطرُق بابَنا
إلاَّ يد الموت الزؤامْ .؟
مَن سوف يمنحنا السعادةَ ،
والسرورَ والابتسامْ .؟
مَن للنفوس إذا هي اضطربتْ ،
يعيد لها الوئامْ ؟
ستسودنا الأحقادُ دونك ،
والتناحرُ والخصامْ .
ستعمُّنا الفوضى ،
ويُفلِت من أيادينا الزمامْ .
لا أمنَ دونك سوف يبقى
لا أمانَ ، ولا نظامْ .!
اقْبِلْ ! فمنَّا لن ترى
إلاَّ الدلالَ والاحترامْ .
اقْبِلْ وكن معنا لطيفاً
كُنْ سخياً كالغمامْ .
خذنا بحضنك مرةً ،
واشفِ الصدورَ من السَقامْ .
ثم انتشرْ فينا وذُبْ
كالملح في صحن الطعامْ .
سترى بأنَّا رائعونَ ،
وطيِّبونَ ، على الدوامْ .
وبأننا بشرٌ ، بداخلنا ،
ملائكةٌ كرامْ .!
هيا تقدَّمْ !
خطوةً ، أو خطوتينِ .. إلى الأمامْ .!
هيا تقدم يا " سلامْ " !
هيا تقدم يا " سلامْ " !
خمسون عاماً قد بحثنا عنك يا بدرَ التِّمامْ .
كنا نراكَ خلالها ،
فتفِرُّ منَّا في الزحامْ .
لم تلتفتْ يوماً لنا ،
لم تُعطِنا أدنى اهتمامْ .
جئناك حبواً .. لم تقلْ : هيَّا
" جلوسَ " ولا : " قِيامْ " .!
أهملتنا !
وتركتنا هدفاً لإرهابِ " النظامْ " .!
ماذا تريدُ اليوم مناَّ نحن سكانَ الخيامْ ؟
أتريد أن نأتي عراةً ،
بعد أن نُلقي " الحِزامْ " ؟
أتريدنا من دون سيفٍ
أو رماحٍ أو سهامْ ؟
أتريدنا مستسلمينَ
كما يريد " العمُّ سامْ " ؟
كم صرتَ يا هذا لئيماً
منذ عاشرتَ اللئامْ !
هل يا ترى غسلوا دماغكَ ؟
هل أُصِبْتَ بالانفصامْ ؟
هل غيَّروكَ هناكَ في " النرويجِ " ،
" أولادُ الحرامْ " !؟
فأتوا إلى الزيتون ، باسمكَ ،
حوَّلوه إلى حطامْ .؟!
أصبحت متَّهماً ،
يُشار له بإصبع الاتِّهامْ .!
لستَ السلامَ بلحمهِ وبدمِّهِ ،
أنتَ العِظامْ .!
أنت انكسارُ الروحِ في
جسدٍ يحس بالانهزامْ .
أنت الوباءُ القاتل المُعدي
" لمصرَ " و" للشآمْ " .
والصقرُ أنت يخُر منقضَّاً على سرب الحمامْ .
يا قلبَ " قابيلَ " المليءَ برغبةٍ في الانتقامْ .
لولاك لانتصر الهوى ،
والحبُّ عشَّشَ في الأنامْ .
اذهبْ ، فلست لما جرى
لكَ أو لنا ، أنت الملامْ . !
اذهبْ سننتظرُ " السلامَ " اذهبْ !
سننتظر " السلامْ " .!
ذاك الذي بالدمِّ تصنعهُ ،
يد الشعب الهُمامْ .
فيجيء ، بعد التضحياتِ ، كأنَّهُ ،
مسكُ الختامْ .