فنَّان - خميس

أنا الذي قالت له الأشجارُ :
" حلِّقْ فوقنا ".
والغصن مال نحوَهُ لمَّا رآه وانحنى .
ورحَّبت به الطيور قالتِ :
" اسكُن عندنا ".
وفتَّح الورد له ،
خدودَه وازَّينا .
وقالت الأرض له : " دنْدِنْ لنا "
فدندنا .
والبحر جاء موجه
مستقبِلاً وحاضنا .
والكائنات سَرَّها
أن تستضيف كائنا .
***
أنا الذي أرى السواد في البياض كامنا .
كما أرى البياض في السواد أيضاً ممكنا .
وما اختفى تحت السطوح قد أراه بيَّنا .
وفي السكون قد أرى
ما ليس فيه ساكنا .
الفن روحٌ ترتقي
دوماً ، وتسمو بالدنى .
به يصير كل شيءٍ في الوجود أحسنا .
لكنه رسالةٌ ..
بها أعيش مؤمنا .
***
البعض قد يَرَوْنَني
مشاكساً مُشاحِنا .
لأن ما بداخلي
يصير دوماً معلنا .
أقوله مفَسَّراً مُفصَّلاً مُعنونا .
أصوغه شعراً جميلاً مستحباً ليِّنا .
أو قصةً أو لوحةً
أو مشهداً ملونَّا .
أقول : " ذاك فاتنٌ "
إن كان ذاك فاتنا .
أقول : " أنت خائنٌ "
لمن أراه خائنا .
لكنَّ قولي قد يجيء مبهماً مبطَّنا .
أنا كمن على الغموض والرموز أدمنا .
فقد أقول " ويحهم "
لكنَّ قصدي " ويحنا " !
أخاف أن أُدانَ ، إن صرَّحتُ ،
أو أن أُسجنا .
ففي بلاد الحزن أستطيع ألاَّ أحزنا .
وأستطيع في بلاد الفقر أن أسعى
إلى الغنى .
أمَّا هناك في بلاد الكبت أو حيث أنا .
ولست أعني موطناً محدّداً معيَّنا .
إذا وقفتُ قيل لي :
" هيَّا تحركْ من هنا .."
وإن مشيتُ قيل لي :
" قِفْ لا تحرك ساكنا .."
حتى نسيت من أنا
" يا ميجنا يا ميجنا " !
صار الشعورُ بالأسى
والحزنِ عندي مُزمِنا .
وأصبحت حريةُ الكلام أطيبَ المنى .
ثم اكتشفتُ في الطبيعة السرورَ والهنا .
فقلتُ كوني موطني ،
فأصبحت لي موطنا .!