زمان الكفاح - خميس

(1)
يُبَشِّرني أصدقائي وأهلي
وأسمعُ تكبيرةَ الناس حولي .
فأهتف من فرحتي ، لا أصدِّق
أن على الأرض فرحانَ مثلي :
سَلِمتَ لنا ، يا مُعلِّمَهم
أنَّ للفعل عندك ردةَ فعلِ .
سلمتَ لنا ، يا مُفجِّرهم
ومثخنَ أجسادهم بالجراحْ .
صياحٌ ، وعمَّ المكان صياحْ .!
***
جعلتَ نهاري سعيداً ونوَّرتَ ،
يا قمراً ، في السماوات ، ليلي .
ويا نجمة الصبح للباحثينَ
عن الوطن الحر والمستقلِّ .
ويا مَن أتينا عليه نُصلِّي ..
مَنِ الحيُّ فينا ؟
مَن الميْتُ ؟ قُلْ لي !
ومَنْ مِن عذاب الحياة استراحْ ؟!
(2)
أجيءُ وفي الصدر بعضُ انشراحْ .
أودِّعُ مَن كُنْتُهُ ، ذاتَ يومٍ ،
أنايَ القديمةَ ،
حبي القديمَ ،
وعمري الذي قد تولَّى وراحْ .
أجيءُ بنفسي ، أُصبِّرُ نفسي .
أقولُ : " سَلِمْتُ ،
ويسلمُ رأسي ".
أحبُّ الذي صِرتُهُ ،
منذ أمسِ ، وأدعو له بالهدى والصَّلاحْ .
دقائقُ معدودةٌ غيَّرتني ،
فما عُدتُ أعرف نفسي كأني
سُحِرْتُ ،
وحين تخلَّصتُ مني ، انتفضتُ ،
وقررتُ حمل السلاحْ .
دقائقُ ردت إلىَّ صوابي
فأدركتُ من بعدها كلَّ ما بي
وكيف أضعتُ سنين شبابي
وبعتُ حياتيَ بيعَ السماحْ .
جديدٌ أنا اليومَ ، كُلِّي جديدُ .
وأعرف ، بالضبط ، ماذا أُريدُ .
أَفجَّرني ؟! بالحزام الشهيدُ الذي
فجَّر الباصَ هذا الصباحْ .؟!
أكان هو السرَّ فيما جرى لي ؟
ونبَّهني فانتبهتُ لحالي ؟
وجاوبني موتُه عن سؤالي ،
المحيِّرِ : أين طريق الفلاحْ ؟!
وعن ألف " كيفَ " و " هل " ،
ولماذا ؟!
أمن أجل ذاك ومن أجل هذا :
أحاول أن أستغلَّ المتاحْ .؟!
لأبقى على قيد هذي الحياةِ ،
ولو لدقائقَ أخرى ،؟! فهاتِي
يديكِ ، نسير معاً في ثباتٍ ،
ونكمل مشوارنا في الكفاحْ .
(3)
أفكِّرُ كيف يكون الكلامُ ،
عن الحبِّ ، حين يطير الحمامُ ،
ويُقتلُ ، من دون ذنبٍ ،
غلامٌ ، هنالكَ في الوطن المستباحْ .
أفكِّرُ ،
كيف ينام المحبُّ على جنبهِ ،
لحظةً ، بارتياحْ ؟!
وأشعرُ أن الكواكبَ أقربُ ،
منكِ إليَّ ، كثيراً ، وأعجبُ ،
كم من سماءٍ ، تُراني سأركبُ ،
حتى أراكِ ، وكم من جناحْ .؟!
وكيف أسيرُ ،
بعكس اتجاه الرياحْ .؟!
(4)
لقد كان هذا المساءُ طويلاً
بدونك ، جداً ، وكان ثقيلاً
فقلتُ : أُدرِّبُ نفسي قليلاً ،
قليلاً ، على قول ما لا يُباحْ .!
فأرجوكِ لا تغضبي واعذريني
فطول غيابكِ ، أَذكَى حنيني
وأكَّد حدسي ، وزاد يقيني
بقُربِ انتهاءِ الليالي المِلاحْ .
***
غداً ، سأصيرُ مجرد ذكرى .
وقد لا أعود لأكتبَ شعرا .
وداعاً .. وداعاً إليكِ وشكرا .
فنجم الشهادة في الأفق لاحْ .!
***
وهذا الزمانُ ،
زمانُ الكفاحْ ..