الآخرون - خميس

الآخرونَ كلامُهم هَزْلٌ
وأنا كلامي ، كُلُّهُ جِدِّي
يتحدثون عن الهوى ، وأنا
عن قسوة السجَّان والقيدِ
كلٌ له وطنٌ ، ولي منفىً
والسيِّدُ المنفيُّ كالعبدِ
أحلامُهم محدودةٌ ، وأنا
قلِقٌ ، وأحلامي بلا حدِّ
الحزنُ لي ، ولهم همُ فَرَحٌ
والشوكُ لي ، ولهم شذا الوردِ
لهم القصورُ ، ولي أنا خِيَمٌ
والحَرُّ لي ، وقساوةُ البرْدِ
ولهم لذيذُ نعاسِهم ، وأنا
سَهَرُ الليالي لي ، ولي سُهدي
الجوعُ لي ، ويكاد يقتلني
ولهم همُ "المظبيُّ" و"المَندي"*
وليَ الدخانُ ، وريحُ قنبلةٍ
ولهم بخورُ الهند والسندِ
يتسامرون وليلهم طربٌ
والدمعُ منسابٌ على خدي
الآخرونَ ، ولستُ أحسدهم
يتفرَّجون علىَّ ، عن بُعد
ما عاد أمري ، قطُّ ، يعنيهم
أصبحتُ مثل الأحمر الهندي !
هم بالكلام معي ، وإن فعلوا
شيئاً ،
تكنْ أفعالهم ضدي
وأنا أدافع عن كرامتهم
وبكل ما أوتيتُ من جُهد
وأذود منفرداً عن الأقصى
وكأنَّهُ مُلْكي ، أنا وحدي
بيدِ أصفِّق ، بينما شَلَّت
حولي ، ملايينٌ من الأيدي
فإذا سقطتُ على ثرى وطني
مَن يحمل الراياتِ من بعدي ؟!
..
الآخرونَ ،
حياتُهم هدفٌ
وأنا الحياةُ وسيلةٌ عندي
ومجاهداً أحيا ، ليدخلني
إن شاء ربي ، جنَّة الخلدِ..
__________
(1) المظبيُّ والمنديّ : نوعان من اللحم المطبوخ على الجمر أو الغاز في فرن مغلق .