الشمس التي تنفثُ السّمُ - زينب حبش

إلى الأب جيسي جاكسون بمناسبة زيارته لمخيم قلنديا/القدس
*
(1)
أيتها الشمسُ الجالسةُ على عرش الكونْ
أيتها الآمرةُ الناهيةُ السكرى
الغارقةُ بطوفان الدمْ
كُفي عن هذا الهذيان المخمورْ
كُفي عن قتل الفيءِ بظلّ الزيتون
رأسي مكشوف
وحذائي خاصم قدمي
والرّمدُ يعششُ في عينيّ
قروناً بعد قرونْ
(3)
أيتها الشمسْ
غيبي عن حارتنا الخضراءَ
المرويةَ بالعرقِ وبالدمعْ
أمي لا زالت دَمعتها تلمعُ
في عَينيها
وأبي
يذوي يوماً يوما
وأنا أتساءل: يا ربي
ماذا أعددْتَ لشمسك من نار تحرقها
حتى تغسل عنها الآثامْ؟!
باسمك تحلُمُ أن تحكم كل الكونْ
باسمك تبتلع الأرض
باسمك تمتصّ دماءَ الشعبْ
باسمك تحرقُ
تسرقُ
تكسرُ و تدمرُ
تقتلُ
تنزعُ من قلبي الحبّ
باسمكَ تجعلني زانيةً
تجعلُني جاريةً
تجعلني هاجَرْ
وأنا يلفحُني رملُ الصحراءْ
فأحلمُ بترابٍ رطبٍ في يافا
أعطشُ
أحلمُ بشرابٍ عذْبٍ من يافا
أنعسُ
فيصيرُ الحلمُ نسيماً
يحكي قصة ليلى والذئبْ
فأنامْ
أنام بحضنِكِ يا يافا
(3)
الشمسُ الغارقةُ ببحرِ الدمّ الفاجرِ
تركلُ أحلامي
تحرقني
تقذفُ برمادي في قاع العدمِ المجهولِ
ببحرِ الظلماتْ
وتُغطي بأناملها الصفراءِ المرتجفةِ
عينَ الكونْ
لكنّ رمادي أخضَرّ
وغطى سطح الكرة الأرضية
وأنامل فاجرةِ القرن العشرين
امتدت تقتلع جذوري
فاذا بالعين المعصوبةِ تفتحُ جَفْنيها
وترى
(4)
أيتها الشمسُ الحاقدةُ البلهاءُ
كُفّي نيرانكِ عن أرضي
كُفّي نيرانكِ عن شعبي
كُفي تسليط سهام البغضِ على قلبي
فأنا للحبّ خُلقْتْ
وأنا للإنسانيةِ
أحلمُ أن أبقى
(5)
أيتُها الشمسُ الرّعناءْ
يا من حرقتْ أفئدةَ الناس البُسطاءْ
يا من تلتف حبالُ مشانقها
حولَ رقابِ الأطفالْ
وتغوصُ معاولها
في أعماقِ التاريخ الغافي
تغرقُهُ بدماءِ الزّيفْ
وتلفّ عباءتها السوداءَ
على الماضي والحاضرِ والمستقبلْ
(6)
أيتها الشمسَ
أيتها الأفعى النافثة سموم الغيظ
على زهر الزيتونْ
ابتلعي حقدَكِ وسمومكْ
فالزهرُ اختصرَ الزَمنَ
وصارَ جذوراً تضربُ في أعماق الأرضْ
يا شجر بلادي لا تحزن
فزهورُكَ تبني تاريخكْ
وزهورُك تروي بالمجد الأغصانْ
يا شجر بلادي لا تحزنْ
فالبسمةُ أقوى ... أقوى ... أقوى
من سيف الطغيانْ
*
30/9/79م