الجرح الفلسطيني وبراعم الدم - زينب حبش

(1)
قلبي محترقٌ
بصراخِ الغضبِ
المصعوقِ
المرشوم على الطّرقاتْ
في تل الزعترِ
في اليرموكِ
وفي الوحداتْ
في كلّ شوارعِ كل الأرضِ المحتلّهْ
في كل شوارعِ كل الأرضِ الغير المحتلهْ
(2)
أقسم يا أهلي في تلّ الزعتَرْ
أني أسمَعُكمْ
وأراكمْ
أقسمُ أني أنزِفُ
أعطشُ
أعرى وأجوعْ
أتلوّى ألماً
أتعثّرُ
أغرقُ في بحر دم
أغرقُ في بحر دمُوعْ
(3)
قلبيِ عصفورٌ
نتفَ الريشَ
وقاتَلَ
قاتَلَ
قاتَلَ حتى الموتْ
في تلّ الزعتْر
(4)
من يُنْسيني الأيامِ البيضاءْ
والأيامِ السوداءْ
من يُنسيني العقدَ الأسطوريّ
المتفرفط في البركِ الحمراءْ
من يُنسيني الإخوانْ
صعدوا
صعدوا
صعدوا في غيرِ أوانْ
فانتحبتْ في وطَني كُلّ الألوانْ
(5)
من يُنسيني أطفالكَ يا تلّ الزعتَرْ
والنبعةَ
والشياحَ
وسنّ الفيلْ
من ينسيني الألفَ جريحٍ
والألفَ الألفَ قتيل
من ينُسيني أيلول
ودير ياسينْ
من يُنسيني الجرحى والقتلى
المبقورينَ
المبتورينَ
المحروقينْ؟!
من يُنسيني السير على الجُثثِ
المصلوبةِ فوقَ عمودِ الشمسْ
من ينُسيني العطشَ القاتلْ
والجوع القاتلْ
من ينُسيني الصمتَ العربيّ
الصمت العربيّ
الصمت العربيّ القاتلْ؟!
من يُنسيني يا تلّ الزعترْ
اللونَ الأسودْ
واللونَ الأخضرْ
واللون الأبيضْ
الغارقَ في اللونِ الأحمرْ؟!
(6)
أطلالُكَ يا تلّ الزعترْ
رائحةُ الموتِ الشامخ
والمجدول بأرصفةِ الطرُقاتْ
رائحةُ الدّمّ المحروقِ
المغزولِ بأناتِ الجرحى
المهروصينَ بأقدام الدباباتْ
ستظلّ معلقةً في عُنقِ الشمسْ
ستظلْ علامة طهرٍ
لعروسٍ
في ليلةِ عُرْسْ
(7)
آهٍ
من يُعطيني جُرْعةَ ماءٍ
تروي ظمئي
من يُعطيني لقمةَ خبزٍ
تُسكت جوعي
من يُعْطيني قطعةَ شاشٍ
أعصبُ جُرْحي
من يُعطيني ثوباَ
أكسو عورةَ جسمي
من يُعطيني رشاشْ
من يُعطيني إسمي
أني أبحثُ في القطرةِ
عن إسمي
إني أبحث في اللقمةِ
عن إسمي
إني أبحث في العبثِ المتلفع باللاشيء
عن إسمي
عن إسمي
عن إسمي
ووجدتُ اسمي
محفوراً في قلب الموتْ
فقتلتُ الموتْ
وأخذتُ اسمي
لكنهم
سرقوا اسمي
ووجدتُ اسمي وشماً
في كفّ الشمسْ
فقطفتُ الشمسْ
ونزعتُ اسمي
لكنهمُ
سرقوا اسمي
ووجدت اسمي عصفوراً
يشدو في المرجِ الأخضرْ
ففرحتُ…فرحتْ
لكنهمُ
قتلوا اسمي
فاختلط الأسودُ والأبيضُ والأخضرُ والأحمر
صارَ اسمي علماً
يحميني
صار طعاماً وشراباً ودواءً يشفيني
صار اسمي ثوباً يكسوني
صار اسمي قنديلا
فوقَ جبيني
(8)
آهٍ
من يجعلني قطرةَ ماءٍ
تروي طفلاً
من يَجْعَلُني لُقمةَ خبزٍ
لتردّ الروحَ لشيخ معصورِ البطنْ
يتلوّى في تلّ الزعترْ
من يجعلني قطرةَ يودٍ
تلثُم جُرْحاً ينزفْ
من يجعلني ضمّادةْ
من يجعلني
تحت الرأس المثقَلِ بالأحزانِ
وسادةْ؟!
(9)
يا تلّ الزعتْر
خذني حبّةَ رملٍ تشرب جرحَكْ
خذني قبلةَ شوقٍ تلثُمُ كَفّيْكْ
خذني دَمعةَ فخرٍ
تتبسم في جَفْنَيْكْ
يا تلّ الزعترْ
إني أتمنّى … أتمنىّ
لو أغفو بينَ ذراعيكْ
أتمنى لو أحمل اسمكْ
يا غُنوةَ مجدٍ خالدةً في ثغرِ الكونْ
يا نغماً أسطوريّ النكهةِ واللونْ
يا جرحاً أبدياً ينزف مسكاً
ينزفُ عَنْبَرْ
يا تلّ الزعترْ
(10)
أبكيك!
ودموعي بركةُ نارْ
أبكيك!
والكبريتُ المحروقُ بحلقي
قيد حديدْ
وأنا أتأرجح بينَ الفخرِ وبينَ العارْ
يخنقُني حبّكْ
يقتلني حبّك
يبعثني حبّكَ يا تلّ الزعتر
من قلبِ النارْ
*
1976م