عينُ الصوابْ - سميح القاسم

في الكون متّسع لكلّ الناسِ. لا تسألْ بما بدأ الجوابْ !
في الكون متّسع لكلّ الناسِ. والاشياءِ. والأسماءِ.
للكتبِ القديمةِ والجديدةِ. للموانئ. للمقابر والمصانعِ.
للمزارعِ والمطاعم والشوارعِ. للمدارس والحدائق والأغاني
للكراسي والمشاجبِ والثيابْ
ولحفلةِ الميلاد متّسع. وللتأبين متّسع. وللفوضى.
لنار الشّعر. للكيمياءِ. للتفاح والأطفال والأجيالِ.
للأديان والأحزاب. للشّرفاتِ. للقطط الأليفةِ.
للسياحة. للأرانب والثعالبِ والزواحف "الكلابْ"
في الكون متسع لوجه الله والإنسان للحرب المباغتةِ
الفظيعة. للحضور وللسلام وللقطيعةِ والغيابْ
للحبّ. للتدخين والإقلاعِ عنه. وللجريمة والعقابْ
للبنسلين الشّهم. والإيدز الرهيب. وللجياعِ
وللطعام. وللظّماءِ وللشرابْ
للبحث والتنقيبِ. والإحصاء. والتّعدين. للخطط الجريئةِ.
واحتمالِ الشكّ في خطأ يقود الى صوابْ
عينِ الصوابْ
في الكونِ متّسع لروحِ النار والجلنارِ. للذكرى
مع الأفراح والأحزانِ. للتفسير والتأويلِ. للشّغَف المذكّرِ
بين تأنيث السنابلِ والزنابقِ في كوابيس التبخّر والتصحّرِ
واختبارات السواعد والمعاولِ واليبابْ
في الأرض متّسع لما تعظِ المآذن. في ابتهالاتِ النواقيسِ
الرصينة. للجسور وللبخورِ وللبروج وللصلاةِ وللقبابْ
في الكون متّسع لأهل الكونِ. من صفرٍ الى بيضٍ. ومن حُمْرٍ
الى سُمْر وسودْ
ولديه متّسع لنا العربِ، اليهودْ
ولنا الفرنسيين والألمان والأتراك والإسبان والشيشان
والبلغار والرومان والفرس. المغاربة. الصقالبة. الهنودْ
ولديه متّسع لكونفوشيوس وبوذا
ولديه متّسع لموسى
ولديه متّسع لعيسى
لمحمّد. ولآلهِ ولصحبهِ. للعلم والإيمان. والكفرانِ والغفرانِ
متّسع لمتّسع وضيقْ
ولديه متّسع لما يسَعُ العدوّ مع الصديقْ
ولديه متّسع لنخترع التحيّة من عباراتِ الشتائم والسّبابْ
ونشقّ في الصوّان بابًا. بعدهُ بابٌ.. وبابْ
لم يبقَ من حُلم أخير عندنا. إلا وباغتَهُ الضبابْ
وصرامة الفولاذِ تعبث بالدماءِ وبالهواجس والترابْ
فليقرأ الأميّ والأعمى هوامشَ حزننا الباقي،
على يأس الدفاترِ وانكسارات الكتابْ
في هيبةِ اليرقات موعظةٌ. وفي نحلٍ بلا عسلٍ. وفي
عُري السنابل والمناجل. في الفراء وفي الرياشِ. وفي
الحدود وفي الجموحِ. من العقاب الى الثوابْ
والتيهُ موعظة الجهاتْ
والجوعُ موعظة القليل من البقايا والفُتاتْ
والموتُ موعظة الحياةْ
والماء موعظةُ السرابْ
ويقول وادٍ: انني جبل على ظهري أنامُ. ودونيَ الوادي
الذي تدعونه جبلاً. أرى ما لا ترونَ. وأصطفي لي
حكمة التاريخِ والجغرافيا.. ولديّ خاتمة الحسابْ !
في الكون متّسع لهم
في الكون متّسع لنا
للشنفرى وابنِ الحسين وبايرون المبعوثِ في لوركا وفيَّ.
لأمِّ كلثومٍ وكاروزو وسيناترا وإيديت بياف متّسع
لبتهوفن وشعبولا ومادونا ومايكل جاكسون المنثورِ
مثلَ قشور بزر ملاعب الفوتبول والكولا. ومتّسع
لإنترنت والموبايل. والفرس المطهّمةِ الأصيلة. في
سباقِ الخيل والليموزين والهليكوبتر العفريتِ.
للشعراء والعلماءِ والأمراء متّسع. وللفقراءِ والفقهاءِ
والسفهاء والقنّاصةِ العميان. والأزياء والتحف القديمةِ.
والمواليد الجياع الى حليب الأمهاتِ النازفاتِ على الحواجزِ
والحدودِ. ولاجتماع طارئ في مجلس الامن المؤجّل
باسم تأمين النّصابْ
في الكون متّسع لتلويثِ الفضاء. وللنظافةِ والنقاءِ.
وللصناعاتِ الثقيلةِ. والسجون. وكلّ ما يُرضي العذابْ
ولكلِّ ما يُرضي الطفولهْ
ولكلِّ ما يرضي الشبابْ
ولكلِّ ما يبقى لإرضاءِ الكهولهْ
في الكونِ متّسع لكلِّ الناسِ.
لا تسألْ بما بدأ الجوابْ
في الكون متّسع لكلِّ الناسِ.
هل في الناسِ متّسع لبعض الكونِ؟
لم أسألْ بما بدأ الجوابْ !
وأريدُ حقن ضلالةِ الكلمات بالمصل الصوابْ
عينِ الصوابْ
تعبتْ حمامةُ نُوحنا الأزليِّ. فاحمِلْ غصنَ زيتونٍ جديدًا،
قبلَ طوفانٍ جديدٍ،
وانطلقْ فينا. وبشّر بالسلامِ على الخليقةِ.. يا غُرابْ !
عينُ الصوابْ
عينُ الصوابْ
عينُ الصوابْ ! !
(الرامة)