أطلق يدي - عبد الرحمن بارود

ِمنْ هاهُنا البحرُ ذو الأجبالِ قد عَبَراْ
وبَثَّ في الشـامِ مُزْنـاً تُمْطِـرُ الدُّرَراْ

وامتَـدَّ مِنْ حَلَبَ الشَّهْباْ إلى عَـدَنٍ
حَبْلٌ يـذكِّرُنا التوحيــدَ والقَــدَرا

جُذورُنا مِنْ هُنـا في العُمْقِ ضـاربةٌ
أكْرِمْ بهِ شــــجراً ! أكْرِمْ بِهِ ثَمرا!

والقِبْلتـانِ لنا شَـمْسانِ بينهمـا
أخٌ بطيبةَ بَــزَّ الشــمسَ والقمـرا

ونـامَ في دارِنـا بَلْ بَيْنَ أَضْلُعِنـا
أبــو النَّبِيِّيْنَ لمَّا أَزْمَعَ السَّــفَرا

وجاءنـا سَـيِّدُ الدُّنيـا على فَرَسٍ
جَوْنٍ يُســابِقُ منه الحافِرُ النَّــظَرا

فاجتـازَ سَـبْعَ سـماواتٍ إلى مَلِكٍ
عالٍ على عَرْشِـهِ عَنْ خَلْقِهِ اسـتَتَرا

وخالدٌ ومُعـاذٌ عِنْـدَنـا وأَبـو
عُبيـدةٍ وهمـو في العالمين ذُرَى

عِشرونَ أَلْفَ شَـهيدٍ في مَعاقِلِنَـا
وخَمسـةٌ أَصْعَدُوا نَحْـوَ العُلا زُمَـرا

َهْلَ الجزيرةِ لا زالتْ جزيرَتُـكم
وديعـةَ اللهِ تحميــها أُسـود شَرَى

أدِمـاءُ مَسْجِدِنَا الأقصى دِماؤكمُ
َهـذا دمٌ واحـدٌ فِي التوأمينِ جَرى

أَرُوْمَةٌ عَقَدَ الـرحمنُ عُقْدَتَـها
فَلـمْ تَـزِدْهَا الليـاليْ غَيْرَ شَـدِّ عُرَى

وحَرَّرَ القُدْسَ مِنْ بِيزَنْطةٍ أَسَدٌ
مِنْ مَكَّةٍ لَـو رآهُ اللَّيثُ لانْجَحَـرَا

أَهْـوى على القُوَّتَيْنِ العُظْمَيَيْنِ فَمَا
أَبْقَى لَهمْ بَعْدَهَا عَيْنَــاً وَلا أَثَــرَا

طَالَتْ لَيـالِيْ فلسـطينٍ بلا عَـدَدٍ
كأنَّ فَجْــرَ فلســـطينٍ بها قُـبِرا

مِنْ بَـازلٍ قذفـوا في القدسِ قُنْبُـلَةً
وَلا يَـزَالُ حَرِيــقُ القدسِ مُسْـتَعِرَا

عَبدُ الحميـدِ وَمهمـا قَالَ شَـانِئُه
مَا خَـانَ يَوماً فلسـطيناً ولا غَـدَرَا

لاقَى هِرِتْــزِلُ سُــلطاناً يموتُ
ولايبيــعُ أَنْمُلَةً مِنْهَــا وَلا ظُفُـرَا

لَمْ يُرْعِهِ أُذُنـاً .. بَـلْ هَبَّ يَطْـرُدُهُ
طَـرْداً وَيُلــْقِمُهُ فِي يَلْـدِزٍ حَجَـرَا

فَماتَ في سِــجْنِهِمْ في عِـزَّةٍ وَأَبَى
كـنزاً مِن الذهبِ الإِبْريـزِ قَد نُثِـرَا

وَفَـرَّ عَنَّـا اتحاديـونَ قَد عَشِـقُوا
ذئابَ طُـورانَ والمَاسـونَ والتَّتَـرَا

وإذْ رَآنــا لُرَنْسٌ لا عُقـولَ لنـا
أتى بِكُوْفِيَّـةِ الأَعـرابِ مُعْتَجِــرَا

وَسَـارَ إِدْمـونْ اللنبيْ بَعْدُ مُنْتَفِخَـاً
فِي قُدْسِــنَا بالصَّليبيينَ مُفْتَخِــرَا

وخَطَّ بَلْفُورُ صَكَّاً كَانَ مِقْصَـلَةً
فَقَطَّ رَأْسَ فلسـطينٍ وَمَا شَـعَرَا

حَفُّوا بصهيونَ عُزّى يَنْحرونَ لهـا
ويَطْرَحـونَ لها صُلْبَـانَهُمْ دُبُـرَاْ

يَبْنُـونَ صُهيـونَ فِردَوْسـاً بِدِيرَتِنا
وَيَقْلِبـونَ عَلَيْنَـا أَرْضَنَــا سَـقَرَا

وإذْ أَتَــمَّ البِريطــانيُّ حَجَّتَــهُ
وافَى بَوارجَه في البحر وانْشَـمَرَا

حَمْلٌ ثَلاثـونَ عاماً .. بَعْـدَها وُلِدَتْ
شَـيْطانةٌ ذاتُ وَجْهٍ يَقْطَـعُ المَطـَرَا

كَفَاكِ يا جَوْقَةَ السِّلْمِ الذي زَعَمُـوا
بُحَّتْ حَنَاجِرُكُمْ فَلْتَرحَمُوا الوَتَـراْ

تَجْـرُوْنَ خَلْفَ بَنِي صُهْيُـونَ فِي لَهَفٍ
وَشَـعْبُكُمْ بِبني صُهيـونَ قَد كَفَـرَا

ماذا سـيعطيكم التَّلْمُودُ وَيْلَكُمُو؟
ماذا تَبيعونَ إلا السَّـــمَّ والخَـدَرَا؟

يُعْطُونـكمْ جُـزُراً فِي البحـرِ غَارِقَةً
إنْ سُـمِّيتْ مِزَقٌ مِنْ لَحْمِكُمْ جُـزَراْ

أَشْــقَى البَرِيَّـةِ أَعمَى القلبِ يَا وَلدي
مَنْ شَـلَّ مِنه اليهودُ السَّـمْعَ وَالبَصَـرَا

مَنْ يَسْمَعُ القدسَ؟ مَنْ يُصْغِي لِصَيْحَتِهَا؟
ياوَيْلَتَـاْ! وَاْ أَبَـا بَكراه! وَاْ عُمَرَا

دَنَاصِرٌ قَذَفَتْهَا الرِّيْحُ مِنْ جُزُرِ الــ
ـوَقْوَاقِ تَفترسُ الأَوطـانَ والبَشَـرَا

خَمسـونَ عَامـاً إلى السـتينَ مِنْ
تَسِـحُّ لو نَزَلَتْ بالصَّخـرِ لانْفَجَـرا

دَمِنَـا لُـدٌّ ورملةُ سَـــبْعٌ مَجْدَلٌ
حَيْفـا ويَـافَا وعَكـَّا لَمْ يَذُقْنَ كَرَى

صَفَـدٌ يـاقومُ فِي حَشْرجاتِ الموتِ
فِي جِسْمِها السَّـرطانُ القاتِلُ انْتَشَـرَا

قِبْلَتُكُمْ وأَلْـفُ جَـرَّافةٍ هَدَّارةٍ زَحَفَـتْ
لَمْ تُبْقِِ بَيْتـاً ولا زَرَعـَاً ولا شَـجَرَا

خَـرَّتْ مُقَطَّعَـةَ الأَوصـالِ ضَفَتُـكُمْ
وَغـَزَّةٌ تَتَحــسَّى السُّمَّ والصَّـبِرا

بَـرَّاً وَبَحْــراً وجَـوَّاً يَقْصِفُونَهمـا
والشَّعْبُ فِي عُلَبِ السَّرْدِينِ قَدْ حُشِرَا

كَيْ يَطْلُبَ الصَّفْحَ والغُفرَانَ مِنْ لَدُنِ الـ
حاخامِ عُوبادِيـا أَوْ يَلْحَقَ الغَجَـرا

بِنْ جُـورِيـونَ ووِايـزْمانُ قَدْ بَنَيَـاْ
إشـكولُ مائيرُ بيجنْ أَعْلَوُا الجُـدُراْ

رَابــينُ شَاميرُ بـيريـزٌ وراءَهمُ
بَـارَاكُ شـارونُ كُلٌّ يَتْبَعُ الأَثَـراْ

مَا حَـادَ آخِـرُهُمْ عَنْ نَـهْجِ أَوَّلِهِمْ
كأنَّـهمْ واحـدٌ قَدْ عَدَّدَ الصُّـوَرَاْ

وبــارَزُوا أَلْفَ مِليــونٍ بآنسةٍ
كَأَنَّهمْ لم يَــرَوْاْ قُدَّامَهُمْ ذَكَــرَاْ

لِلقـدسِ رَبٌّ وَأَجْنــادٌ مُجَنَّدَةٌ
تَجْتَثُّ كُلَّ احتـلالٍ طَالَ أَوْ قَصُـرَاْ

حَتْفَاً لِمَنْ ذَبحــوا يحيى ووالِـدَهُ
ومِنْ زَكِيِّ دِمَانَـاْ فَجَّـرُوا نَهَــرا

وَحَوَّلُـوا القدسَ مَاْخُـوراً يَفوحُ خَناً
حَاشَـاْ لِشـمسِ الهُدى أَنْ تَقْبَلَ القَذَراْ

أَرْضُ المَلاحِـمِ لِلأبـطالِ مُنْجِبَـةٌ
قد جَدَّدَتْ لِلرعيلِ الأَوَّلِ السِّيرَا

أَبو الشَّـهيدِ كَيومِ العُرْسِ مِنْ فَـرَحٍ
وبـالزَّغاريــدِ أُمٌّ تُـعْلِنُ الخَبَــرَا

كأَنَّمــا كُلُّ أُمٍّ مِنْ حَـرائِرِنـا
قَدْ أَرْضَعَتْ أَسَــدَاً أَوْ أَرْضَعَتْ نَمِرَا

حُمْرُ المَنَايا لنـا خَيـلٌ ونَحنُ لَهَـا
مَنْ لَمْ يُحَارِبْ عَليها ضَاعَ وانْدَثـرا

فَقِسْمَةُ الموتِ فِي الأَوطانِ قِسْـمَتُنَا
والكُلُّ مِنَّا شَـهيدٌ مِنْـذُ أَنْ فُطِـرَا

حَتَّى يُــنَزِّلَ رَبُّ العَـالَـمينَ لَنا
عيسى وَيَنْقُـرَ فِي النَّاقـورِ مَنْ نَقَـرَا

نُـهْدِيْ سَـلاماً كَنَفْحِ الطِّيْبِ تَحْسَبُهُ
مَرْجَ ابنِ عَامرٍ المِعطارَ قَدْ حَضَـرَا

إِلى الرِّياضِ ونَجـدٍ والحِجـازِ وللـ
ـأَحْساءِ يَبْقَى بَقَاءَ الدَّهْـرِ مُزْدَهِـرا

جَزيـرةُ المَجـدِ رَبُّ البَيتِ يَحْفَظُهَا
ذِيْ دَارةُ العُرْبِ وَالإسـلامِ مُذْ ظَهَرَاْ

تُفْنيْ أَبَـابِيْلُهَـا الأَفْيـالَ قَاطِبَــةً
وَكُلَّ عَبـدٍ خَسيسٍ يَحْفِـرُ الحُفَـرا

بَـيْنَ المُحيطينِ لِـيْ أَهْلٌ ذَوُوْ عَـدَدٍ
وَجِيْـرَةٌ عَـرَبٌ لا يَـمنعونَ قِـرَى

سَـمعتُ صَوتَ سِـلاحٍ فِي مَخازِنِكُمْ
يَبْـكيْ عَليَّ طَوالَ الليــلِ مُعْتَـذِرا

خَمسـونَ دَبَّـابـةً فِي الحي تَقصِفُنـا
كَمْ قَهْقَهَتْ إِذْ رَمَيْنا نَحْوَها الحَجَـرَا!

لَـوْ كُنتُ أَحْمِلُ صَاروخـاً عَلى كَتِفيْ
أَوْ أَرْبَجيهـاً كَفانِي وَجْهَهَـا القَـذِرَا

مَا للحـــدودِ حَوالَيْنـــا مُغَلَّقَـةً
لَمْ نَسـتَطعْ مَعها وِرْدا ولا صَـدَرا

أَطْلِقْ يَـدَيْ وَفُـكَّ الحَبْـلَ عَنْ عُنُـقِيْ
وَافْتَـح لِيَ البَابَ وانْظرْ بَعْدُ كَيْفَ تَرى

لَـوْ تَـجْعَلُ السَّـدَّ يَامَولايَ طَوْعَ يَدِيْ
أَلْفَيْتَ مِلْيـونَ شَـارونٍ قَدِ انْدَحَـرَاْ