من نحن ؟ - عبد الغني التميمي

مِنّـا الزمـانُ وخطْبُـهُ يتعـلُّـمُ
وعلـى خُطانـا للعُـلا يَتَرسّـمُ

وإذا طمى جرحُ الزمـانِ فإننـا
نحنُ الشّفـاءُ لجُرحِـهِ والبَلْسَـمُ

إنْ كنتَ تجهلَ مَنْ نكـونُ فإنّمـا
للعُمْيِ هذي الشمسُ جِـرمٌ مُظْلِـمُ

عَجَباً أتجهَلُ مـنْ نكـونُ وهـذه
الدنيـا بكـلِّ فِعالِنـا تتكـلّـمُ؟

من أنتَ، لا من نحن، يا مُتجاهلاً
أوَ يَجهَلُ البحرَ الخضـمَّ العُـوَّمُ؟

إن كنتَ تَجهَلُنـا فـذي آثارُنـا
فـي كـلِّ أرضٍ للهِدايـةِ مَعْلَـمُ

نحن الذين رؤوسُهُـمْ لا تنحنـي
إلا لخالِـقـهـا ولا تستـسـلِـمُ

افتَحْ سجِلاتِ القُرونِ فلـن تـرى
إلا أيـاديَ بالمفـاخـرِ تُنْـعِـمُ

وسَلِ الوقائعَ والصّنائعَ هل رأتْ
أحداً يسوسُ كما يسـوسُ المسلـمُ

إنّـا لَقـومٌ لا نَغُـشُّ رعـيّـةً
عند السّيـادةِ أو نخـونُ ونظلِـمُ

وإذا حكمْنـا فالعدالـةُ منـهـجٌ
لا ظالـمٌ فيـنـا ولا مُتَظـلِّـمُ

أطفالُنا وُلدوا على سُرُر الـرّدى
أرأيتَ طفـلا‌ً بالـرّدى يَتَنَعّـمُ؟!

وُلـدوا جِبـالًا راسيـاتٍ مثلمـا
وُلِدَتْ على هذي الحيـاةِ الأنجُـمُ

عشِقوا الشهادةَ من صِباهُم فوقَ ما
عُشِق الشّرابُ لِذي الهوى والمَطعَمُ

وهُمُ الرّواسي في البلاءِ عزيمـةً
وعقيدةً فـوقَ الجِبـالِ وأعظَـمُ

لا يعبَؤون بحادثٍ مهمـا دَهَـى
فَهُمُ ومـا تلـدُ الدّواهـي تـوأمُ

منْ قالَ أطفـالٌٌٌٌ هـمُ؟ لا، إنهـمْ
حِمَمُ القضاءِ، أَلِلقضاءِ مُقـاوِمُ؟!

انظُرْ إلى الأحجارِ فـي أيديهـمُ
جـذلانـةً بنشيـدِهـم تَتَـرنّـمُ

أرأيتَ كيفَ الشُّهْبُ في أَيمانهـم
تَهوي وأبناءُ الأبالـسِ تُرجَـمُ؟

لأقَلِّ مـا صنـعَ المُدلّـلُ فيهـمُ
تُحنى رؤوسُ الآخريـنَ وتَهـرَمُ

قبضاتُهـم لانَ الحديـدُ لِعَزمِهـا
"تتحطّـمُ الدنيـا ولا تَتَحَـطّـمُ"

ألِفوا فلسطينَ الصـراعُ حياتُهـا
أبداً علـى مـرِّ القـرونِ تُقَـاوِمُ

ما جاءها غـازٍ يُريـدُ هَوانَهـا
إلا يُردُّ علـى الهـوانِ ويُهـزَمُ

ولها بأَفنـاءِ الجزيـرةِ ناصـرٌ
أُسْدُ الجزيرةِ والمَنـونَ تفاهَمـوا

لِبنـي قُريظـةَ موعِـدٌ وكتيبـةٌ
يَقضي الرّسولُ بها وسعدٌ يَحْكُـمُ

يا قَينقاعُ ويـا نَضيـرُ تَأَهّبـوا
أُسْـدُ الجَزيـرةِ للوَغـى تتقـدّمُ

يا أيها الجُبنـاءُ إنّـا لـم تَـزَلْ
فينـا دمـاءٌ بالعقـيـدةِ تُفـعَـمُ

هذي فِلَسْطينُ التـي مـا راعَهَـا
لونُ الدّمـاءِ ولا جُيـوشٌ تَهجُـمُ

هي حُرّةٌ تَرِثُ الطُّغاةَ على المَدى
جاؤوا إليهـا كافريـنَ فأَسْلَمـوا

والمسجدُ الأقصى يُزيّـنُ جيدَهـا
فَمُكَـرَّمٌ يـزدانُ منـه مُـكَـرَّمُ

صانَتْ حِماهُ وما تَـزالُ كتائِـبٌ
رصدوا له مُهَجَ النّفوسِ وقّدمـوا

* * *

قالوا السياسةُ أن نكـونَ حمائِمـاً
تسمو على كلِّ الطيـورِ حمائِـمُ

لينوا وهونوا واخضعوا وتذلّلـوا
إنّ السياسـةَ هـكـذا فتَعَلّـمـوا

وتعوّدوا حمـلَ الِملفّـاتِ التـي
حُشِيَتْ هواناً أو هوىً، لا تسأموا

هذا الخيارُ هو المُجـرَّب وحـدَهُ
أمّـا السّـلاحُ وحمْلُـهُ فمُحـرَّمُ

أمِنَ السّياسةِ أن تكـونَ قلوبُكُـمْ
صخراً فـلا تحنـو ولا تتألّـمُ؟!

تتصنّعون مـع الشهيـدِ تعاطفـاً
وعلى اليهـودِ قلوبُكـم تَتَرحّـمُ

ولقد عَلِمتُـمْ بـل رأيتُـمْ حالَنـا
ولهَوْتُـمْ وكأنّكُـم لـم تَعلَـمـوا

أمِنَ السّياسةِ تلـك أن تتفرّجـوا
والمسجدُ الأقصى يُباحُ ويُهـدَمُ؟

ويباحُ لحمُ القدسِ وهـو مُقـدّسٌ
للآكلينَ السُّحـتِ حتـى يُتخَمـوا

أمِنَ السّياسةِ أن يَصيـرَ جهادُنـا
ذُلاً به نُسقى الـرّدى ونسـاوَمُ؟

ويصيرَ صفحـةَ ذلّـةٍ مكتوبـةٍ
والنصُّ عبريُّ الحُروفِ مُترجَـمُ

أَخَلت مِنَ الفَهمِ السّياسـةُ عندَنـا
حتى غدَوْنـا ساسَـةً لا نَفْهَـمُ؟

هذي السّياسةُ قد عَرَفْنـا أهلَهـا
بلْ تلـك شِنشِنَـةٌ وهـذا أَخْـزَمُ

**

الخارجونَ على العقيدةِ مـا لهُـمْ
نَسَـبٌ يُقرّبـهـم إليـنـا أو دَمُ

ليسـوا لنـا أبـداً ولا منّـا ولا
ما بيننـا قُربَـى ولسنـا منهُـمُ

خانـوا عقيدتَهـم خيانـةَ عامِـدٍ
والخائِنونَ جزاؤهـم أن يُعدَمـوا

وتنوّعَتْ سُبُلُ الجريمـةِ عندَهُـمْ
فمُجاهِـرونَ وآخـرونَ تَكتّمـوا

ويَـدٌ تُذَبِّـحُ أهلَنـا لا تَرْعَـوي
وفَـمٌ يُسبِّـح ذاكـراً ويُتَمـتِـمُ

ماذا أصابَ ذوي الشّعاراتِ التـي
ظَلّتْ بِمَضْغِ عُقولِنـا تَتَضخَّـمُ؟

ومثقّفونَ وكاتبـونَ فمـا دهـى
أفواهَهُم بَكِمَـتْ فليسـت تَبغَـمُ؟

خَنَسوا فلا قلـمٌ يَغـارُ ولا يـدٌ
تحنو ولا يَشْكو لمـا نلقَـى فَـمُ

سأقولُهـا بصراحَـةٍ وأُعيـدُهـا
حتى يَهُبَّ مِـنَ الفـراشِ النُّـوَّمُ:

"وَجَبَ الجهادُ فيا حـدودُ تمزّقـي
هذي خُيـولُ الفاتِحيـنَ تُحَمْحِـمُ"