عناقيد النعاسْ - خالد أبو حمدية

غَلّبتني،
فَحَلفْتُ يا ورداً على شّباكِها،
ألاّ أغازلَ عِطركَ
المنبثّ في الأضلاعِ
لا آوي إلى ظِلّ من الشرفاتِ،
تَطرحهُ على صمتِ الرصيفِ
مجرحاً أحجارُها،
غَلّبتني،
لولا غَفَرتُ لخاطري
سَرحاتهِ
وَنَسيتُ خَيط الشوقِ
في أهدابهِ
زمن الشرودِ، وَضيْعَةِ
الآهواءِ فيكَ،
على المدّى
يا نِصفَ أحلامي التي حَصَدَتْ
مداها الريحُ،
يا ومض الرضى في النفْسِ
يُلْمِحُ يا حبيبي،
هكذا،
وتجولُ أكثر
َ فيكَ روحي
تنطفي الأحوالُ
عِنْدَ بساطِكَ المطوي بها
وتطوفُ حَوْلَ مُدامتي
أطوارُها
لا تجرحي وَتَرَ البياتِ
فقد يميلُ إلى الصَبا
وأنا أُقَلّبُ عمريَ المرهونَ
عندكِ بين دامعتينِ
مُجمرَتينِ
بينَ فواصلِ
العَدَمِ القصيِّ وجذوةٍ في الذاتِ
تَخفُتُ في المُحالِ
أغيب في الشجن المُعَلّق
كالتميمةِ في بهاء الصدرِ
ألمعُ
قد أرى وَهْجَ إتّقاديَ
إذْ أذوبُ
حجابي المعنى هناك
وبارقُ الأحلامِ
لا تَرْقى مَدْاهُ
ثِمارُها
لا تجرحي ؤَتَر البياتِ
فقد يميلُ إلى الصَّبا
لِتَرَيْ أصابعَ عانَدتها الريحُ
ترصُدُ عن طول الليلِ نجمكِ
جَرّبيها
أجملُ الأهدابِ ما يسري
ويحملُ منتهى الأحلامِ
للأفلاك
مِنْ وَجَعَ الثُريا حين تُعْتِمُ
دارُها
كيف استقمتِ
ولم يكنْ لقوامِك المعنى الذي
يوحي بأنّك كالصراطِ
إذا انتصبتِ
يحولُ بين نَقْيضتينْ
كيف اتّشَحْتِ بفرحةِ العيدينِ
ذاتَ صبيحةٍ
وأنا الذي شُفْتُ الهلالَ
يغيبُ في ليل الحواجبِ
حين يلقى بَدْرَ وجهكِ
كيفَ عن ورقي يطيرُ يمامُكِ
المُبْتَلُّ
يَنسى ريشهُ بين السطورِ
فأشتهي الطيف الذي
رسمت عليه طفولتي
أطيارُها
ما بيننا خيط الغِوى
هذا الهوى
قوسٌ على وَتر القيامةِ
ليسَ تحجبهُ الحقيقةُ
فانتصبْ يا طيفَها
سهماً يُراشُ
وخَلّنا مِثلَ الربيعِ
معلقينَ على الشذى
وغوايةِ الدفءِ الخجولةِ
خلّنا نمتصّ بَرْدَ اللّيلِ
حينَ يّبثُّ في النّوارِ
نشوتَهُ
ويقطَعُ أبيضَ الأحلامِ
كي يَخْضَرّ في زَغَب الوريقاتِ
النَديّةِ غيمهُ المْسَودُّ
يسترخي على طينِ
الخُطى آذارُها
كم يُشتهى غصنٌ
يصونُ الشجوَ بين حمامتينِ
ويَمحي ببهائهِ الأزليّ
أخضرَ ليناً
ظَلّ الصَبا بعروقهِ يقظانَ
لم يّهْجُر صباحاً قبلة النوّار
أو سَنَنَ التَفَتّحِ في البراعمِ
لحظ يغمزُها
رفيفُ الصبحِ ذاتَ ندىً
ولا يسري ليعرجَ في بساط النور
كم ننسى
وكم تُنْسى على خدر الأصابعِ
دمعةٌ
كم تُشْتَهى
أسحاُرها
فَرَطَتْ عناقيد النُعاسِ
ولم تكن تلك المناقيرُ الطَرَيّةُ
غيرَ أجفانٍ تُلقّطِ ما يسيلُ
على خيوط الفجرِ في الوجناتِ
لَحْظِ يهُمّها
ويعودُ يتركُها
أأترُكها ؟!
وبعض الظنّ في الأشعار أبلغُ
من يقينِ القلبِ بالنبضاتِ
من جفن عصيّ لا تُلَيّنهُ
المواجعُ
أو مواجيدُ الصبابةِ
حين تُحبَسُ
نارُها
لا تسألي عنّي
ولكن عَنهمُ
هُمْ صحبةٌ عشاقُ
مُذ كانوا
فَقَدْ كانوا على مرمى الورودِ
يعلقونَ الشوقَ في ثوبِ القصائدِ
حينَ يشتَعلُ الكلام
ولم يكونوا فائضين عن المعاني
الزرق في ثلْج العظام
وكنتُ وحدي دونَهم
لم تستلبني ريشةُ نَقَرت على وَترٍ
وأودعتني محضَ أنغامٍ
صدىً نَزَفتهُ بينَ أضالعي
أوتارُها
شَهِدَ المحبونَ الشقاءَ
ولم يتوبوا
رصدوا تآريخً الخسارة، حينَ تنتصِفُ العيونُ
من البُكا
وتلوعوا بقرائنِ الأشراقِ
في الأفق البعيدِ
هناك في بَرّ الهوى قمرٌ لنا
لَمْ يقترفْ إفكَ الكلامِ
وزُرقَةَ الإعجازِ في المعنى
بهِ صَبغَ الغوى أرواحَهم
وهنالك الدنيا على قَدّ النوايا
الخضر تضحْكُ ملءَ برعمةٍ
تجرِّحها الرهافَةُ
حينَ تأتيني
وُيكْشفُ عن
سوايَ، خمارُها
راودتُها عما يليقُ بزَهوها
ما ألمَحَتْ
أن هَيْتَ بالعينينِ,
أو نَثَرت على عصفورة الشفتين
أوراقي القديمةَ
قُلْت أعذرُها
لَعَلّ القَلبَ مُنْشَغِلٌ بِمْا يرضيهِ
أو يُضري شقاوته
هُنا
قد تجرحُ اللغةَ الحكايا البكرُ
تَشْرَقُ بالخيالاتِ العيونُ
تَرُدّ بشارة المعنى على نَصْلِ الحروفِ
فتنجلي بعباءتي
أسرارُها
وقَفَتْ على حَدّ الكلامِ
ولمْ تطُلْ تلك الحروف
خطيئَةَ الجوريّ حين تقصَّدَ الإغواءَ
أحمرَ زاهياَ
كالنبض في لثغ الطفولةِ، شَبَّ نحوَ
فحولَةُ الفصحى
ولَمْ يَمْسَحْ عن الوَجَناتِ أسرارَ
الحليبِ
فلا تكوني غير فجر العيدِ
يَسْرُب في ضلوعي
لا تكوني غيرَ صوتٍ شدّني
لنضارةِ الأحلامِ
حينَ تلوحُ في شَيب الحشا
أقمارُها
هي خفقةُ
بل كلمةٌ سَكَنَتْ ضلوعَكِ كُلّها
وَسكَنْتِ قلباً ما استبيحَ وإنّما
نَفَرَتْ ظُبى خفقاتِه
وَطوَت على الأهدابِ
برقَ عيونِها
كَيْما تَمُرّ على السوادِ
خجولةً
عذَرَتكِ حباتُ الندى
غلّبتِني
فبأيّ أحداق إذا ما لُحْتِ لي
أرنو اليكِ وأنْتِ في دنيا
تَرُدّ نواظري
أسوارُها.