أفوحُ رغماً عن مرارتِها - خالد أبو حمدية

نَثَرت حروفي
ما تصيدُ من الندى
واستودعت ما طاشَ من عبقِ الكلامِ
خيالهَا
ورَثَتْ لهُ
بشواهد بدويةٍ
وفِراسةٍ منذورةٍ للصبح
ما أغوت بها النجماتُ
أو أغوت بها
الحِيَلُ
لم تُبق حبلاً
في شقاق البيتِ
يا شفةَ العشيرةِ
واللسان المستحم على الرمادِ
لكي تحنّ إلى مضاربهم،
وتنشُدَ طعم قهوتهم
وريحَ الهيلِ
قد خلعتك ثالثةُ الأثافي السودِ
حتى الشعر
والصحراءُ
والإبلُ
لم تُبق خيطاً واهياً
بين القصيد،
ولسعةِ الرمل الشرود
مع الهواجرِ
في النهارات المصابةِ بالحريق
إن اقْتَفَت عيناكَ
أطنابَ البيوت الهاجعاتِ على ظلالِ
الأهلِ
واستلمت رجومَ الظاعنينَ
ترفّ من ندمٍ
فلا تخفى دموعُ التائهين
وليس تُسْتَرُ بالغِوى
المقَلُ
أرأيت نار الأهلِ
تُوقََدُ في العشيّةِ؟
أم رأيت الجمرَ تخنقهُ الدّلالُ الصُّفْرُ
حينَ يَعِجّ بيتُ الشَعْرِ بالسُّمار
والنسماتُ تأخذُ جانبيهِ
على الرَوّيةِ تارةً
وعلى الشجى وندى العتابِ
لتارتين
تَضُمّهُ
فتشدّهُ الأوتادُ
والعمدُ المدّللُ
واسطٌ
تطوى عليه سحابةُ النعسِ الخفيفِ
مُضمّخَ الخلجات
يَسْرُبُ في الجفونِ
تصدّهُ
لكنّهُ بدخانهِ يَصِلُ
لم تُبق يا ولدي
وميضاً تحت مجمرة الرمادِ
لكي نرى ......
دعجَ العيونِ،
وسُمرَةَ الشَفَةِ المشققةِ الحوافِ
- أبوك قال
وكنت أرثي للنعامةِ
كيف نادمت الرمالَ
وصار طيفُ الشنفرى
غيماً
يبلل ريقَها
لما تحنّ الى الحروف،
ويمحّي في ريشها
الشعراءُ
والفرسانُ
والطللُ
أهي الحكايةُ ...
أيّها الحادي الشقيُّ؟
أمْ أنّ تخلك زمَّ قامتَهُ
ليعْبُدَ جذرَهُ
ويصيبَ عنقودَ الغواية كُلّهُ في الأرض
إنَ قَصِرَتْ يَدٌ عن سعفهِ
نخلُ الغوايةِ داجنُ
يا سادِن الشجرِ
العقيمِ
وسيّدَ الشُهبِ المطاعِ
يذوبُ في الكف الطري عرجونهُ
لا يجتلي بلحاً، ولا رطباَ
ولا تغشاهُ من لسع الحصى
ظُلَلُ
هذي الخطى
قد علّمت في الصخرِ
لا في الرملِ،
فآنشد عن خطاك
وإن بها باهيتَ
لو أطلقت للريحِ الرخيّة أعينَ المزمار
رَقَّصتَ الضلوع
وكان يُطربُ
كان يُطرب
لو غناؤكَ
غامِ في عَصَبِ الحروفِ
وشَدَّ من رئتيكَ أنفاسَ البداوةِ
كلمّا دندنتَ أو هيجَنْتَ
مثل ربابةٍ
موتورةٍ بالقوسِ
سهمُ دمائها وترٌ
وحيدٌ يشتكي
ويحنّ مثلَ مُرَزءاآت
في العشيّةِ
هاجت الذكرى بهنّ
فبُحنَ بالدمعِ السخيّ على المرارةِ
والبُكا في كل أحوال البكا
زَلَلُ
نَثَرت حروفي
ما تصيدُ من الندى ..
مِخْلاتهُا أُفقٌ
وَحَنْجرةٌ سماويّان
إن سَريا ضُحىً
وتناجيا ....
وعلى حدودِ النهدتينِ
مع الظلامِ،
تشاجيا ..
فعلامَ
زمارُ العشيرةِ ليسَ يُطْربُ
غير ما يرعى من العيسَِ
المريضةِ في مضاربهِ،
لتحَبطَ في الوهادِ الصفر،
حين تُساقُ كالوشم الثقيل
أو الخطوطِ
على النواصي السُمْرِ
هل بركت،
عثارى حَظِّها،
أم أن فأل العينِ
خابَ بعلّةِ المرعى
ولم تبْسُم لإغواء الندى
سُبُلُ
فاشهِدْ أباك
على الغنيمةِ ..
إذْ تؤوبُ بغير قامتك المديدةِ
دون ظلّك،
دونَ بحرِ خيالك المرمّي في الصحراء
لا بحرٌ يغيضُ بمائهِ للرملِ
في الفَلَواتِ
لا وردٌ يردُّ وداعةَ الغزلانِ
إنْ بَكَرَتْ على النسماتِ
يسحبُها الندى
اشهد أباكِ
أنا أبي ما زالَ فيَّ ..
من امرىء القيسِ القتيلِ
إلى الذينَ تأبطوا خير الدّما،
أتظنهّم قُتلوا ...؟!
حَدّي وَحدُّك
شاهدانِ
على الكنايةِ في الحروف
على مجاز الكلمةِ الرعناءِ
في طرفِ اللسانِ
أظنها مذعورةً سَقَطَتْ
فلم يَغْلب على إيقاعِها شجنٌ
ولمْ تبتلّ بالزفراتِ، ..
عاقِلَةٌ
هي الكلماتُ
حين تنافِقُ المعنى
فنَلْحَقُها
تُشرِّدنا،
وتأسِرُنا
وتُسْقِطُنا
وفي أضلاعِنا خَبَبٌ وجَرْسٌ
في الطباعِ يَسُلّنا
وسَجّيةٌ
لمّا تَعُقُّ قلوبَنا النبضاتُ
والأمَلُ
لما تعقُّ شفاهَنَا
القُبُلات
والجُمََلُ
لا يشبهُ الصحراءَ
أو غَدْرَ السراب الصَّعبِ
غيرُ مرارةِ القصيومِ
والشيحِ المحصّنِ في ثنايا الرملِ
والحصباء إنْ لهَبتْ
ولم تغدُرْ خيوطَ الماءِ في العودِ
الرقيقِ .....
أنا لها
مثل الخزامى، والعرار
أفوحُ رغماَ عن مرارتِها
ورغماً عن عجاج الرعي
والغمرات إن هجم الأصيل
أفوحُ لكن
نَسْمتي
ثَمَلُ
وألوحُ عرشي في السّما
- إن أظلمت –
زُحَلُ
يا حادي الطير ما ذوبُ الحشا طربا
ولا قصيدك أبكـى مقلتــي لهبـا
لكنّها سُحبٌ من فرط عـــزّتِها
مرّت بقافيتي فاستمطرت ذهبا
وخالها الجفنُ ناراً غير خامدةٍ
فناءَ عنها ولم يركع لها أدبا
يا حادي الطّير عمري عمر قافيتي
وعمرك الماء إن أمسكتهُ سََرَبا
انذِرْ خطاك فَلن تقوى علـى سـَفَرٍ
والحقْ جناحي صُبحاً قد ترى عَجبا
ما جازني النجم لكن صار لي وطناً
لماّ عن الارضِ برق الكِلْمـةِ احتجبا
يا حادي الطير ما ضرّ الرؤى أبداً
أنَّ القوافي دوماً حَدُّها غَلبــا
فأصدقُ القولُ يسمو فيهِ صاحبهُ
ويُرْخِصُ النفسَ زيفُ القـولِ والنسبا
ظَفِرَ المهلهلُ بالمواتِ
وعاشَ من دمهِ كُليبُ
ولن تجد في النوق أقرانَ البَسوسِ
فعُدْ بنا
للشعرِ ...
عُدْ زيراً
فهذا الطينُ تخنُقهُ دماءُ الغارمينَ
لسانَهُمْ
عُد للبداوةِ
شيبُ ذينِ العارضينِ
خواطرٌ محمومةٌ
تَرْغي بها السنواتُ
كالعلل التي عَلِقَتْ مع الأضلاعِ
أدمنها الفؤادُ
وصارَ يَطرَبُ
للطّلول الخرسِ
للسهرِ الذي أعمى نواظِرَهُ
فكم تُشقي ندى أرواحِنا
العللُ
ظَفِرَ المهلهل
بالرمالِ
بشمس آبَ
ببُكْرَةٍ فيها صهيل الخيل يجرحُ
رِقَّةَ الأنفاسِ
بالخمرِ المُوَرِّدَةِ الخدودِ
بَمَيسِ غانيةٍ
يحاورُ جفنَها بِكرُ الكلامِ
بصبوةِ تضرى أراجيزَ
الشفاهِ ...
بسَروة والطيرُ واكنةٌ
تملمَلُ بالندى
بغنمية مربوطةٍ في السرجِ
تثقَفُها السهامُ
بكلِ ما يرضى
عدا ثأرٍ وبُقيا صحبةٍ
وأخٍ ونبتٍ
ضيعاهُ
فضاعَ في صَبَواتهِ البَطَلُ.