عبث الحروف بأسرار الكلام - خالد أبو حمدية

لَوْ لي بهاؤكِ
حينَ أشطحُ في المدى،
وأعيد ترتيبَ الكلامِ على الظِلالِ
مع العصافير التي
في فجّة الضوء المبلل بالندى
تَصحو،
تُرَتّبُ مثلنا أعشاشَها
وتَرَفّ تُزْهِرَ في جناجيها
الرياشُ
يُطوّق البوحُ الصباحيّ
النّدى
آفاقَها
لوَْ لي بهاؤكِ
كُنت أجْلَيتُ القصيدةَ عن معانيها،
لأُقْرأك السلامَ
بعيدةً عن شبهَةِ المعنى
وَعنْ قيد الغواية في الحروفِ
إذا تهجتها عيونكِ
خيطَ دمعاتٍ تَسِّحُ
رقيقةَ الأنفاس يجرحها
الصَبا
ويُعيرُ لي
أحداقها
زهو الخطى
صلصالةٌ الذنب القديم
ومنتهى ما نشتهي،
وقلوبنا كحواصل الطير أستَحَمَّتْ
بالبواطن والنشيدِ
وأجْلَت الدفقاتِ عن قيظِ المشوقِ
إذا حدا بالسروةِ الأولى
وغرغر رَمْلُه بسرابهِ،
صحراءَ تعصِفُ بالكلامِ
فلا تَلينُ
كأنَّ في البرق الذي تقتاتهُ
أجفانُنُا
أشواقََها
برقٌ كذوبٌ
والخيامُ قصائِدٌ
وُشِمَتْ بها الصحراءُ
منذ تفجّرت رملاً وعشاقاً
هنالك نصطلي أطلالَهم
لمّا يُجَرّحُنا الغروبُ
وتذبلُ الخفقاتُ في أضلاعِنا،
ردّي علينا يا خُطانا
الواصلاتِ زمانهم،
قَدْحَ الشكيمةِ في سنابكِ
خيلهم
نارَ القِرى،
أجداثَهم، لما يؤانِسُ صخُرها
طّراقَها
لَو لي بهاؤك
غبْتُ عن فلك النراجس
كي أعوجَ على خزامى كفِّك
السمراءِ يا بدويةَ الأشواقِ
واللفتاتِ
هذا الماء يَرْشَحُ في عروقِكِ
هاجساً،
للعيسِ مظعِِنةً، وللنخلاتِ
للغزلان شاردةً
إذا دارت رحى الأحداق
بالدمعاتِ
واستحلى النوى
إغراقََها
فتَعلّلي بِكِ
إنْ تُرابيَ لاوعتَه الريحُ
فاستذرى،
وأودَعَ لونَهُ جفنيكِ،
قَدْ تتوحّد الأشواق
في ليل التشاجُنِ،
في الصبابةِ،
وإعتصارِ الدمعِ
في ترنمية الفقد التي
سَرَبَتْ،
وبتنا نصطلي
أعماقَها،
في أي شَطّ أدعّي
أنَّ الخطى مصلوبةٌ
والبحرَ يمحوها مع الموجاتِ
كمْ عَلِقتْ يد بِشِراعِها،
إن لوّحَتْ
كم غاصَتْ الزفراتُ في القاعِ البعيدِ
وطاشَ طيفُكِ
فوق ماء العين شمساً
غافَلَ الجفَنُ المبلل بالكرى
إشراقََها
كم تُسفَح الآمال فوق الرملِ
كم تتكسّرُ الأهدابُ
حينَ تَهُبُّ ريحُكِ
كم تجيشُ بوحشةِ الأعماقِ
أنفاسٌ ولوعاتٌ
وعِلّةُ ذلك الميناءِ
منتبهٌ على طول الأسى
ما تيّمتهُ سفينةٌ،
أو لمحةٌ شقّت محار الصدرِ
وانَفَرَطَتْ لآلىءَ
خيطُها الأهدابُ سوداءٌ
وإن جاز الرحيلُ
مع المدى
إعتاقََها
لولي بهاؤك
فِضْتُ فيض العارفين
شقاوةَ الألحاظِ لو عبثت بأسرار
الكلامِ
وذوّبت وهَجَ المعاني تَحتَ جَفْنيها
مدىً،
وسعتهُ نَهداتي،
وما وسِعَ إنحباسَ ملامتي،
حيرتنا
يا مهجعَ الصبواتِ،
قالتها ..
لترحَلَ في عروقي
بينما ظلي
بعيدٌ يستطيبُ
عِناقََها
بين الحقيقةِ والحقيقةِ
برَزْخانِ من الخيالِ
وأنت سيدةُ الحضورِ
وروعةُ التقريبِ بين متيّمين
تحلّلا وتجلّلا
بفواتحِ الإيماءِ
سيدةٌ من الإيقاع والمعنى
ومن ماء الحروفِ،
بَكَت أغصانُها المتعلقاتُ
فضاءَ غربتها،
حمائمَ كانت النبضات تُرخْيها
مع الخلواتِ،
ورداتٍ،
خطىً مجروحةٌ
ومنازلاً جَحَدتْ محبيها
فأفنى صَمْتُها
عشاقََها
قد تَسرْقُ الأنفاسُ
غايتها من الرئةِ المشوقةِ
للصبا
قد يجرحُ الدَّمُ في الوريدِ، خيالَ ساكنهِ
وقد تتكسّرُ الأضلاعُ
إنْ حَنَّت
وهيّجها شَجّيُ عظامِها المأسورُ
في قفص السرائرِ،
قد تَعوفُ شجيرةُ الدّراقِ
خضرَتها
إذا ارتعشت أصابعُ قاطفيها
قبلَ أن يَطَأَ الندى
دراقََها
للعين ثَمَّ ضياؤها،
للروحِ ثمَّ بصيرةٌ،
للنفسِ ثمّةَ لومُها،
هل تلتقي نفسٌ وروحُ في فضاءٍ غائمٍ
وهشاشةُ الأجساد
مجلى الممكنات وقُطبُها
مُنذُ استفزّ الطينُ جَذوَتها
على زمنٍ يَنْوسُ بها
ويَدْفَعُها إلى رحمين من لحمٍ
وطينٍ
قد أجازا في الوصال
فِراقَها
أنا لي بهاؤك،
ثُمْ جمالُكِ،
غايتان غريبتان على شواهد غفلتي
وعصيّتان كما البلاغةُ،
حين يختصرُ الفراقُ بدمعةٍ
اللهَ ، يا اللهَ
يا طينَ القصيدةِ،
كيف لم تَسقَمْ مَعَ السنوات، والشِقْواتِ
كيف حملتنا نُدماءَ مختلفين،
فوق بحارك الـ فاضت بلا ماءٍ
ولم تُخدش مراكُبنا،
مرايا روحنا،
إنّا لنا صلصالُنا المسقيُّ أشواقاً
وإن لصبوةِ الشعراءِ
ــ في ماء القصيدةِ إن طفت ــ
أشواقَها.