كم تشفُّ البداوةُ عن نفسها - خالد أبو حمدية

ليسَ من تعبٍ
تستريحُ الخطى عند بابك
لكنّها
جنّتي في ضلوعي
وهذا المكانُ
صدى ما أبوحُ
فلا
تنبشي الجمرَ تحت الحروفِ
وصُرّي الكلامَ
عدا كِلْمةٍ
قد تغافل هذا اليباسَ
الذي في حشايَ ..
تردّ أخضراري
إليّ
وتحملني ريحها الآسرة
.
.
.
ليس من تَعبِ
تستريحُ النجومُ على جلوة الفجر
لكنّها ...
مِثْلُ عينيكِ
تذبل في الدمعِ
كي تَسْتَحِمَّ النصالُ
التي أودعت حَزّها في كياني
وظَلّت
كما النقشُ في الذاكرةْ
ليس من تعَبٍ
يا حبيبيَ
تلك الرؤى غالبت صمت أهدابك
الحائراتِ
ولم تلتفت للكلامِ
على جمرةِ الخدّ
لم تقترف لجّة بعدُ
فاستوحشتْ
غرقتْ
.
.
شأنُها شأنُ كل الذين
ابتدا بوحُهم بالحريق
وكانت قيامَتهُ
لمحةٌ عابرةْ
هكذا يولدُ البوحُ
نبعاً
رَخياً
يُشاغب عشبَ الخوافقِ
لما تَمُرُّ على الشعرِ
مثقلةً بالشرودِ
وعالقةً في الخيالِ
هو النبعُ يا صاحبي
أوّلُ البحرِ
لما نَحِنُّ لأحبابنا
ذات شجوٍ
وتبعدنا
موجةٌ
قاهرةْ
ليسَ من تعب
صرت لي أحرفاً
أكنزُ العُمرَ في غِيّها
أكثرُ العمرِ في ريّها
يا حبيبي
فهل يشهد البحرُ
أن العيونَ حواشي الكلامِ
وأن البواطنَ
مَتْنٌ عميقٌ
يُغرِّبُ كل الموانيء
تحت الخطى
حين يودعُنا
خوفَ أعماقهِ الهادرةْ
هل خَلَوْنا
كما ينبغي ....
فالخوافق مستورة بالوداعِ
وبوحُ الشفاهِ
يداكِ ...
أصابعُ كفيكِ لمّا تحاورُ
أطلالة الشيب فيّ
وتمسحُ عن جبهتي
ما يفيضُ من الملحِ
كم سكراً
أودعتني يذوبُ
ويزهرُ في القلبِ
مثل القصيدةِ
قبل الكتابةِ
غائبةٌ
حاضرةْ
لَمْ أحبّكِ
لم أحتمل فورةَ الوجدِ
حتى أُغَرِّبَ أنغامَ قلبي
فأوتارهُ أورقت
حين هزّ الندى
صمتها
وانتشت بالنعاسِ الخفيف
يرواد أشجانَها
حين تجمحُ في الحُلمِ
تحملُها
نهدةٌ
حائرةْ
شُفْتُ أهدابَ عينيكِ
شُدَّتْ لقلبي
بأوردتي
بالشرايين
لا جفنَ ينهرها
حين تُرخي الشذى
عابقاً
عالقاً في الرئاتِ
وتغسلهُ
دفقةٌ
طاهرةْ
كم تَشُفُّ البداوةُ عنكِ
وعن سُمرة في الجفونِ
بتلك الشفاهِ
بكلّ الملامحِ
حتى كأنيّ أمرُّ على طينة الخلقِ
مُنذُ التّشَكُل
منذ احترافِ الخطايا
أكُلّ الخطايا
مواعيد نختمها
بالدموعِ؟!
أكلُّ الخطايا
هواجسُ مغموسةٌ
بالندامةِ؟!
كل الخطايا
اجتراء على الخوفِ، والموتِ
كل الخطايا
اجتراحٌ
لأنفاسنا
الفاتِرةْ
آيلٌ للهوى والذنوبِ
فلا تمنحيني ربيعك
نصفي لديكِ ..
احتمالُ المسافةِ لما أتوقُ
لنحل الشفاهِ
يمرُّ على ذابلِ الوردِ فيَّ
ونصفٌ
يغالبُ أشجانَهُ
ظلّ دوماً غريباً
يئِنّ ويدمى
عذاباً ..
كما السهمُ
في الخاصرةْ
ليس من تَعبٍ
.
.
قدْ
يخفّ على الشوقِ
خطو الغريبِ
وليست على الشط
ترسو المراكب فاضحك
لأعرف كم يلزمُ البحرَ
حزناً
لينفل أحشاءه فوق صدرٍ
يضيقُ بلؤلؤهِ،
حين يُفجَرُ عنهُ الحليب
وتورقُ فيه الفراشاتُ
غارقةً
بالندى
والبياضِ
تمرُّ على خاطرٍ
ظلَّ يطوي فواتحَ أحوالهِ
في العروجِ إلى جنّةِ
المبتدا
ناسياً
سكرةَ
الآخرةْ
فاغمضي
كي تَرَيْ قامتي
والملامحَ
اوضحَ
فالجفنُ يَدْمَغُ ما ندّعي
من بهاءٍ
ويغرُزُ في الصدر
حُمّى الحروف إذا بَرَّدتها الشفاهُ
على قُبلة
بَزَغَتْ خِلسةً
ما اختلفنا عليها
ولم نَتّفِقْ
قبلةٍ
ساحرةْ
اغمضي العينَ
آنَ لنا
أنْ نُقلّم أضلاعنا
وهي ترفعُ في الروحِ
راياتِها
نرجساً
ساجداً في الجمالِ
على غير عادتهِ
سوسناً
ذائباً في العروقِ
كما ينبغي للدماءِ
ندياً
نبياً
يرى في السماء
منازِلَه الزاهرةْ
ليسَ من تَرَفٍ
يا حبيبي
تمرُّ الغزالاتُ مشغوفةً
بالورودِ
ولكنهّ العطرُ
يَفْتَرُّهُ السَّهمُ
لما تعانق أهدابَها
نسمةٌ في الهواجرِ
ترخي الجفونَ على حُلْمِها
غيرَ زاهدةٍ
باقتفاء الغوايةِ
بالدلال
بفتنتها
الباهرةْ
ليسَ من تَعبٍ
يا حبيبي
ولكن يغازل وجهَ الحصى
-أسفلَ النهر-
ميسُ الحشائش
مثل أنبعاثِكَ فيَّ
ربيعاً
وماءً
ووجهاً على الحُسنِ طافَ
وحرفاً
تشكِّله أمرأةٌ
غيرُ كل النساء اللواتي
استبى خافقي
بيدَ أنَّ بها
طفلةً
شاعرةْ
تَستبدُّ
بما لا أطيقُ بها
من بياضٍ
تضوّعَ في الحبرِ
يَحْمِلُني فوق كل اختلاجةِ رُقْيا
ويملأُ بي
غفلةَ الشعر
لما تصيبُ الحروفَ
بأفلاكها
والخيالَ
هنا
مرتقى الوجد فيك
تدغدِغُهُ
غيمةٌ دفقت ماءها في عروقي
وأرخَتْ
جناحيَ للريحِ
تحملهُ
نشوةٌ
غامرةٌ
ليس من ترفٍ
تستحمُ الغزالاتُ بالمسكِ
والأرجوانِ ..
ولكنّهُ
خلف كل انتشاءٍ وبوحٍ
تُعَلِّلُنا نجمةٌ
سافرةْ
أو
تفرقنا
طعنةٌ
غادِرةْ.