أعالي كنعانيا - عزالدين المناصرة

إنْ وجدتمْ عَظْمَةً مُعَفَّرةً بالتراب النديِّ
فهي، حتماً ... أنا.
أوْ وجدتم شجيرةً بريةً نامية بالصُدفة،
ليست أبداً صُدفة.
إنْ صرخ الولد الكرمليُّ ﻓﻲ منعرجات الوادي
يا أﺑﻲ، يا أبي... خوذة جنديٍّ قديم،
ليس قديماً يا ولدي، صدّقني.!!!
إذا مرَّت العاصفة،
لملمتْ شيئاً من طلع غباري
فهي، قد مرّت فعلاً،
رسمتْ ظلّها ﻓﻲ الجدار.
لو تفتّت حجر النُصب، ذرّاتٍ، ذرّات:
بيضاء وسوداء وحمراء وخضراء،
فهي ألوان قلبي.
إذا دهسوا قبورنا بالجرّافات،
صرنا حديقةً عامَّة،
حيث يلعب الأطفال، جيداً، قرب الرموز.
إذا باضت اليمامة على غصن يصل ﺇﻟﻰ السماءْ
إنْ مسَّتْ قبري، وطارتْ
ألوانها، ألوانه، ارتفعي أيتها الألوان عالياً،
فوق أسلاك الكهرباءْ
إنْ رفرفتَ – أيّها الحبيبُ – ﻓﻲ أعالي كنعان
ﻓﻲ أعالي كنعان،
إن وصلتَ ﺇﻟﻰ جبال جَرْجَرَة،
إن هربتَ – قبل الميلاد – من الجفاف،
فأنتَ يمامة كنعان،
تبربرتْ ﻓﻲ أثينا،
وانزرعتْ ﻓﻲ سفوح الأطلسْ.
- هُنَّ بنات عمّي، إغريقيّات،
اقتلعن أشجار الوحشة، عند مساقط المياه.
- هُنَّ بنات عمّي، أمازيغيّات،
حملن التفاح ﻓﻲ أطباق السماوات السبع.
- هنّ بنات عمي، النوبيّات،
يتناثر النرجس ﻓﻲ أنحائهنَّ الدمويّة.
- هنّ بنات عمي، صحراويّات،
يرعبن الواحات، والرمل، والسيوف، والأغاني.
للصحابيّ: نعيم الداريّ، ينشدن بين الكروم
هذه الأرض، لذريَّة السيّد الجليلْ
ﺛﻢَّ أصبحنَ، عنباً ﻓﻲ أعالي الخليل
يغتاظ البحر الميّت، حين يراهُنَّ ﻓﻲ الأعالي
مثل عناقيد البلّور الصافي ﻓﻲ مزرعة القلبْ.
- هُنَّ بنات عمّي، خليجياتْ
ﻓﻲ قاع بحر اللؤلؤ، يَصْطَدْنَ قلائد التعبْ.
- هُنَّ بنات عمّي، مؤابيّات،
كمقالع المرمر والرخامِ، ﻓﻲ قاع الأردنّ الولهانْ
ينشدن للخيول أغاني الثلوج.
أكان لابدّ أن ننتظر، كلام الرواة قروناً،
لكي نعرف:
كنعانياتٌ كالأبنوس ﻓﻲ غابات الفلّين،
كنعانياتٌ كزبيب بنات الشام،
رعين نقاء المتوسط ﻓﻲ قلبه الأبيض،
خلعن شتلات الزيتون، شرقي بيت لحم،
وزَّعنها على النوارس، والحمام الزاجل،
قلن للريح: يا ريحُ انثُريها على الفصول.
كنَّ يُفطرن اللبن، والعسل، والملبن الخليلي
كنَّ يمشطن شعورهُنَّ، بأمشاط عظم الغزال
ﻓﻲ صحراء النَقَبْ
يتسلّينَ بحبّات خشب اليُسرْ ﻓﻲ بيت لحم
يرعين الجفاري، ﻓﻲ سلسلة الجليل الأعلى
ومغارةُ الكرملِ، شاهدةٌ على ذلك
غور أريحا، جسدُ البحر الميّت، والمخطوطاتْ.
- كنعانيات تَموْزَغنَ، هنَّ قبائليات الزيتون.
كأنّكِ تفاحةٌ مُشَرَّبَةٌ بالحمرة الكرمليَّة
كأنك خليليَّةٌ، يا دليلة الضوء،
أكتم صرختي، دهشةً ﻓﻲ بئر القلب،
حين أُحدّق ﻓﻲ وجهكِ ﻓﻲ الصفِّ،
ﺛﻢَّ أرعوي خجلاً،
أستاذٌ يعشق تلميذتَهُ الشقراء الزيتونة
عيناها، إلهي، أسكني ﻓﻲ قاع الزرقة، قرنينْ.
- أبدأُ من شتلات التبغ ﻓﻲ حقول بني نعيمْ
كي أصل مع الفجر،
ﺇﻟﻰ دخان الشجارات ﻓﻲ هارْلِمْ.
أبدأ من حارة القزّازين ﻓﻲ الخليل
كي أصل ﺇﻟﻰ قيثارات سنتياغو.
أبدأُ من سور الأزبكية، ﻓﻲ الفسطاط
كي أصل ﺇﻟﻰ الحيّ اللاتيني ﻓﻲ مفترق الضوء.
أبدأُ من أسوار مريام الشمالية ﻓﻲ كنعانْ
حتى أصل كريت وروما.
أبدأ من قرطاج العدل، وهمهمة الفرسان،
حتى تستيقظ ﻓﻲ قلبي أثينا.
أبدأ من حجر مؤاب، وعُهدةِ عمر،
ومواثيق حمورابي،
من فصل ﻓﻲ كتاب الكاهن الكنعاني
من جوقة عصافير ﻓﻲ المسجد الأموي
ومن زخرفةٍ حرقوها ﻓﻲ الأقصى
حتى أصل الريح بالريح.
- إن وجدتم سفناً تائهة، تجوب القارّات
فهي مراكب جدّي كنعان.
أبدأُ من شراييني، وقميصي الزراعي المشجَّرْ
كي أصل ﺇﻟﻰ قلب العاﻟﻢْ.
- لكنْ، مَنْ منّا، يعرف مسقط رأسه
يا - سان ... جون ... بيرسْ!!!