أغنيات كنعانية - عزالدين المناصرة

1. سنةً بعد سنة:
سنةً بعد سنهْ
ستعيشينَ مع الحزنِ سنة
وانتظارِ الحبّ أن يرجع من غربتهِ،
بعد سنة
يذرع الحانات والمقهى الذي يعرفهُ،
باحثاً عن سوسنة
ﻓﻲ عيون الخطب الجوفاء،
ﻓﻲ بحر الوعود الآسنة
سنةً أخرى من الوهم، تعيشين حكايا القرصنة.
2. حارس البستان:
مرّت الأيامُ والأشهر – قولي – والسنون
أكلتك الغُمّةُ الصفراء يا طفلي الحزين
صوتُ فيروز يصلّي – ينتحبْ
ﻓﻲ مخابي القمر الصيفي تبكي
فضةً مطمورةً تحت العنبْ
تشربُ الماء من البئر زلالاً،
وتطيْر
لو أتاها حارسُ البستانِ ﻓﻲ يومٍ مطير.
3. هُنا:
تلفّعنا هنا بالشوك والعلّيقُ يُدمينا
ولملمنا شوادِرَنا، وكنا نرفع الأعلام يا بردى
ونلتصقُ التصاق الجذر بالأوراق يا دجلةْ
وقبّلنا ترابك أيها الوادي
لقد مرّ الغزاةُ عليك أجيالاً وأجيالا
وفرّوا، أنت لا ترضى لنا بدلاً
ونحنُ ونحْنُ يا بردى ويا دجلةْ
هنا والثلج يلسعنا
هنا والطير يملأُ مرجةَ التفّاحِ،
في الوادي، وفي التلة
هنا وربيعنا يكسو الربى الشمّاء
هنا حتى لو اختنقتْ حناجرنا وبُحَّ الصوتُ
ﻓﻲ الأصداءْ
هنا حتى لو انتهت الفصول، فصولُنا: البيضاء
والخضراء والسوداء والحمراء.
4. أُمُّ الغيث:
كفى ... ما عاد يسمع صوتكم صَخْرُ
فماء الغيمة الكحلاء ضاع سُدى بِوادينا
وأمُّ الغيثِ، نامت ﻓﻲ سواقينا
وداستْ زرعنا الغربي،
جواميسٌ عِجاف القلب ترعى ﻓﻲ روابينا
وما ترعى سوى الأشواك والعُلّيقْ.
لأنَّكِ ﻓﻲ منامي ظُلّة أغفو إليها،
إن جَفَتْني الشمسُ ... وابتسمتْ ثناياكِ
لقد كنا تركناكِ
تَجوبينَ الصحاري خلف أجنحة السراب المُرّ،
ترتجفينْ
وقوتكِ من صخور الأرض تقتلعينْ
تلوبين القفاز يمامةً، حطّت بقلبِ الصخرِ
برّيةْ
لأنَّكِ خلف نوق القوم قُمْرية
لأنَّكِ ﻓﻲ براري الشام حورية
ترود مغائر الأعرابْ
وما طمرتْ رياح الإثم غيرُ مواقع الأقدامْ
فَهُرّي يا غيوم الليل ضوءاً أسود الموّال
لقد تعبتْ حماماتي من الترحال
ﻟﻬﺬﺍ يا بّني كنعانْ
أعيدوا للشموع بهاءها الفتّانْ
أعيدوا للطبول هديرها الرنَّانْ
فأمّ الغيث نامت ﻓﻲ سواقينا.
5. ربيع تمّوز:
المطر يرشرش فوق الأوراق المهترئة
والريح تدقُّ الأبواب الصدِئةْ
المطر يرشرش والورق الأصفرْ
يتناثر ﻓﻲ الرَدَهاتْ
الأرض العطشى تشربُ ﻓﻲ وَلَهٍ قيظَ الريحْ
تبلعه كحصان مجروح
تشفطُهُ، فَلْتذهبْ يا زمن القيظْ
كرماد منثور ﻓﻲ النهر الأخضر، وليخنقك الغيظْ
كنتُ أشاهدها تحرق أغصاناً خضراء
خرجت فقَّاعات الماءْ
مُحدِثةً أناتٍ كطنين الذكرى
ﻓﻲ أُذن النحل الأصفر ﻓﻲ حقل الوردْ
ﻓﻲ يوم من أيام التفريخ
حيث تهبّ الريح النيسانية.
جاءت تسعى ، فاصطادتْ أغنيةً بدوية
خلعتْ أزهار الحنّون الأحمر
طَلَت السفحَ دما
من وركِ أدونيسَ المذبوح
وسقتنا ندما.
أحببتُ الموت هنا
حيث أموت وحيداً منفردا
ابتعدي عني، ابتعدي عن ذاكرتي
أنت سُدى
ما زلتُ أقارع هذا الخنزير البريْ
وعلى رأسي ينهمر المطر الكنعانيْ
من بطن سحابة
من قلب الغابة
تأتيني عشتار تلملمني .
ومددتُ العُنُقَ من النافذة المكْسُوَّةِ بالقَطَراتْ
وتنهّدتُ طويلاً
- روحكَ لَكْ -
مِن وقع المطر التشريني
يتساقط ثلجا ﻓﻲ الطرقاتْ
وامرأةٌ (الثلج يذرذر يا سيّدتي)،
ساحرةٌ من قَصَبٍ ﻓﻲ الستينْ
تلهثُ تطرق باب البيتْ
تشهر ﻓﻲ وجهي السكينْ
وتحذّرني من قرع طبول الحرب بتشرينْ !!!
6. دار أهلي:
... وأنتِ تعرفين أن قلبي عندكمْ
ﻓﻲ قاع دار حارس الكرومْ
وأنت تعرفين أنني أحب أخضر الشفاهْ
ﻓﻲ سورها القديمْ
وأشرب المياه
من بئر مريام العتيق
قولي لنا: ما حالكمْ
تعالت الأسوار
والشمس ذابت ﻓﻲ مَهامهِ السراب
الأرض ﻓﻲ مدارها توقفتْ
الفلك الدَوّار
لا تعجبي، لا تعجبي:
ﻓﻲ آخر الزمانْ
قد ينطقُ الحديدُ والفخَّار
وكيف حالُ الدار
عامرةٌ بأهلها ؟!!
لعلّها
أم حلَّ ﻓﻲ جدرانها الدمار ؟!!
7. وعود:
مَرْمَرتني، آهِ يا أمّي الوعودْ
وصهيلُ الخطباءْ
حطَمتني سنةً بعد سنةْ
لن نصلّي تحت قاع المئذنة
قَبْلَ أن تُقطع هذي الألسنة !!