أماكن - عزالدين المناصرة

أيقَظوها ... طفلةٌ تهوى الهدوءْ
تحلم الآن بأعشابٍ،
ستنمو، وبروقٍ ورعودْ.
أيقَظوها،
كان وادينا، سيحمي ظلَّها الممدودَ،
في عَرْضِ الطريقْ.
أيقَظوها،
وهي تمشي ﻓﻲ الضبابْ
سكتوا ... ﻟﻢ يطردوها
نحن نحميها، إذا عزّ الصديق.
أيقَظوها،
طفلةً خضراء ﻓﻲ حضن الجبلْ
حملوا كلَّ المعدات الثقيلةْ
راهنوا ألاَّ تصلْ.
أيقظوها، دمّروها، أحرقوها ...
بثياب العرس والحنّاء والزهو الجميل.
رغم هذا، قاومتْ حتى الأصيلْ.
- 2 -
تنتظرين، وتنتظرين، وتنتظرين
وتموتين، تموتينْ
شوقاً ... وحنينْ
تنتظرين وحوشاً، بعد قليل يأتونْ
وعلى شبّاككِ، تنتظرينْ
ﻓﻲ صفّك، تنتظرين
ﻓﻲ المدرسة الشعبية، تنتظرينْ
العاشقُ مجنونْ
الشاعر مجنون
الحجر الصامت سكّينْ
الأشواق جنودٌ تزحف ﻓﻲ حطّين.
الطير الأخضر يأتيني، آخر هذا الليلِ،
ويخبرني.
الطير الأسود ينكرني.
والأعداء، الأعداء، الأعداءْ
يأتون كما الطاعونْ
ويقيمونْ
سدّاً ﻓﻲ وجه الحلم الساري
ﻓﻲ النهر الباردِ،
ﻓﻲ الدير القاسي،
والحجر المسنون.
إني أعشقكم، وأنا أتبع أحبابي
حيث يكونون.
- 3 -
افتح بابكْ
فأنا الحلُمُ القادمُ من أوجاع الصيفْ
إني دندنةُ الطلقةِ، وبريقُ السيف
سأقيكم شر المطر، وشر الكثبانْ
افتح قلبك، افتح بابك ... إني عطشانْ
وتظل الليلة، تسألني ﻓﻲ جلستنا ... كيف؟؟
الليلة هجموا كالغربان.
السيدةُ الرابضةُ النعسانةُ،
ﻓﻲ ردهاتِ القصر، ستنكرني
لكن الأشجار معي
والأنهار معي
حتى الحجر الصوّانْ
يفتح ﻟﻲ قلباً، ﻟﻢ يُفتح ﻓﻲ أي زمان ومكانْ.
حينئذٍ لملمتُ جراحي
أطلقتُ النارَ على قطعان الليل.
الأشجارُ معي
والأنهارُ معي
وحتى الحجر الصوّان.
- 4 -
تتمايل ﻓﻲ البحر، وأذكرها
تتمدد فوق الشاطئ عاريةً، وضفائرُها
كضفائر حوريات البحرْ
البحر الأسود، يركع ويصلّي
يا عمّي، هذي صيدا
وأنا فارسها المجهولْ
المقهى ينتظر وحوشاً
الشاطئ ينتظر وحوشاً
وأناشيدُ المدرسة الشعبية، تنتظر وحوشاً
السفن الزرقاء كذلك، تنتظر وحوشاً
وكذلك أرصفةُ الميناءِ، وعمّالُ الميناءْ.
آتيها، والصيف، يقبّل قلعتها
سحرٌ يتجول بين مبانيها
تتمايل فوق البحر، وأذكرها
كعرائسَ تحت الحَوْرْ.
كان – أبو النورِ – الأخضرْ
قد نسي الساقَ على الشاطئْ
فَضممتُ الساقَ ﺇﻟﻰ الساقِ،
اكتملتْ حينئذٍ، أعضاءُ أﺑﻲ النورْ.
صيدا تتمايل عند البحر، وأذكرها
صيدا شقراء وطفلة
ألحقها ﻓﻲ الحلم، وأغويها
كيما تذكرني ﻓﻲ العام الصعب القادمْ
صيدا تتجمّل، كالسيف الصارم
لكنْ
إن قلتُ ﻟﻬﺎ: يا حبي، قتلوها.
صيدا ... تلحقني
الصدفُ الأحمرُ ... يلحقني
وكذلك صيّادوها.
- 5 -
كانت تأتيني، منتصفَ الليلِ،
تخونُ الزوج الخائنْ.
عاشرها طيلة أعوامٍ،
يطعمُها الجوعَ، ولكنْ، يعتذرُ إذا غضبتْ،
نظراً للظرف الراهن.
والظرفُ الراهنُ، صار قروناً ومدائنْ
حينئذٍ ﻓﻲ الفجر، دقدقتُ على الأبوابْ.
صيدا، صاحتْ ﺑﻲ:
عني، رحلوا، قبل طلوع الفجر الأشقرْ
امتشقوا طلقات الغضب المجنون الأزهرْ
قذفوها ﻓﻲ وجه الزوج الخائنْ.
- 6 -
زَحفَ الأحبابُ ﺇﻟﻰ الأحباب المسجونينْ
بقيود المهزومين الجُبَناءْ
المهزومون الجبناء، أذلّوا الأحبابَ المسجونينْ.
زَحفَ الأحبابُ ... امتدّوا،
كانت شجرات الموز تغني،
النهرُ، وجسرُ الحبِّ، وآهاتُ المظلومينْ
جاءوا من قلب الصحراءْ
فكّوا أصفادَ الأحبابِ المسجونينْ.
لا نطربُ، حين بيارقُنا
ترتفعُ على الحيطانْ
جئنا لنفكَّ المسجونَ،
ونعتقلَ السجّانْ.