امرؤ القيس يصل فجأة - عزالدين المناصرة

أفتتح كلامي، وأقولُ: الآنَ، الآنَ، الآنْ.
الآن، كلامي يصبح، كالخنجر،
كالطعنة، كالسكّينْ
الآن ابتدأتْ كلماتي، تتحول نحو البحرِ،
وتلتقطُ حصاةً من شاطئهِ الحجريِّ، وترميها،
ﻓﻲ وجه المرتدّينْ.
فاعلمْ أنكَ منذ كذبت، تعضُّ النابَ،
وتبكي الكثبان.
واعلم أنَّ الصدفَ الأحمر، والصدفَ الأخضر،
ﻓﻲ الشطآن
ﻟﻢ يذرف، دمعة حزنٍ من أجل ضحاياكَ
المرميّة ﻓﻲ (صيدونْ).
واعلمْ، أنَّ الزيتونْ
يكرهك، كذلك تكرهك، شُجيراتُ النبعِ،
وأوراقُ الزعتر والليمونْ
وستأتيك الأيامُ، ستأتيك الأيامُ،
ستأتيك الأيامْ.
أفتتح الآن كلامي، وأقول:
- ليس وهْجكِ، غير اصطباري
صرختُ ... ﻭﻟﻢ يستجبْ ﻟﻲ أحدْ.
ليس وهجك، غير توهّج هذي المسافات،
حين صرختُ ... ﻭﻟﻢ يستجبْ ﻟﻲ أحدْ.
كان عرسٌ بقانا – الجليلِ،
ارتعاشُ النساء اللواتي التحفن السوادْ.
ليس وهجك، غير صهيل خيول العدا
ﻓﻲ البلاد.
كان عرس بقانا، وكن يُحنّين كفّي
صرختُ ... ﻭﻟﻢ يستجب ﻟﻲ أحدْ
كان عرس بقانا الجليلِ،
توسّلتُ منكِ النصيحةَ،
ﻟﻤﺎ تمدّدتُ بين الجماهير، واللغة الغامضةْ
كلُّهمْ أكلوا نجمتي،
ثمَّ ﻟﻢ يشبعوا من لغات الصباح.
ليس بيني وبين سفائن صيدا خلافْ
فنحن جميعاً، جراحُ الجراحْ.
لقد جعلوا البحر، مستودعاً للسلاحْ
يريدون أن يلحقوا، خمر قانا،
بتلك البطاحْ.
ليس بيني وبين سفائن صيدا خلافْ.
ﻓﻲ وريدهُمُ جَرَبٌ، وشرايينهمْ
دبّ فيها الجفاف.
ﺇﻧﻤﺎ غضبوا، حين صارت لنا خضرةٌ وضفاف.
نزرع الرمل، كي نتظلّل بالماء والخبز واللغة المقبلة.
نزرع الرمل، كي لا تصير لنا الثورة – المقصلة.
فليكن جرحُنا، كالخوازيق، للسادة المقبلين
على فرس من رماد البلاغات والخطب الآسنة.
وليكن واضحاً، إنهم أجبروك على الطاولة
أن تقول الذي لا تريدْ.
لا تكن ليّناً كالثريدْ
وليكن واضحاً أن قلبك ينزف دمعاً
وأنت تُمجّدُ عرشَ يزيدْ.
لا تكن ميتاً، جامداً، هامداً، قابلاً كالقديد
لا تكن خائفاً، مثل أوراقها الذابلاتْ
تلك أسوار مريام، أبوابها السرمدية والشجراتْ.
إنّهمْ قتلوا والدي، وأنا شاردٌ ﻓﻲ حنايا اللغات.
- سوف أفتحُ باب التطوّعِ للنهر
والبحر والسهل والزيزفون.
ﺛﻢَّ هذا الصنوبر والسرو والكرْمِ، أفتح باب التطوّعِ،
للنار، حتى يثورَ الحنينْ.
كان عرسٌ بقانا الجليل، وفاطمةُ الآن، تكتبُ ﻟﻲ
أنَّ حُجْر المسجّى على الرمل، ﻟﻢ يدفنوهْ.
كان عرسٌ بقانا الجليل، وفاطمةُ الآن،
تفتح باب التطوّعِ:
حنّاؤها وخلاخيلها والعطور.
وتُقسم ألاَّ تكون، نؤومَ الضحى
تقسم الآن، أن يفرح الشجر السمهريُّ،
وفاطمة الآن، قصَّتْ جدائلها،
أقسمتْ أن تكونْ.
نجمةً للصحاري، وبوصلةَ التائهينْ
يا رياح الجنوب، استمري:
متى تبدأ العاصفة!!!
أختتم الآن كلامي، وأقول:
- لستُ ممن ينادونكَ الآن، من خلف هذا الفراغْ
هُزّهمْ بيساركَ، لن تلق غير الخداع
إنهم ختلوك، يريدون عظمك، حتى النخاع:
مرةً يقع المتخمون من الكأسِ،
أو من بعوضة ماءٍ كريهٍ، وقد يقع الطيبونَ،
إذا هز قُدَّامهمْ ماهرٌ بالعصا
يحسبون العصا، جبلاً ممعناً ﻓﻲ الأسى
ينامون، حين يرون الجليل استفاقَ،
وحين يرون الجليل استفاق،
تكونُ جبالُ الخليل، مُدىً وحصى
والنهور التي صوتها، عذّب الغائبينَ
أسىً ﻓﻲ الأسى.
هُزّهم، هُزهم، هُزهم.
من مشارف مكَّةَ، حتى المدينة، حتى البقاعْ
هُزّهُمْ بيمينكَ، لن تلق غير الخداعْ
هُزّهُم بيساركَ، لن تلق غير الخداعْ
لقد ختلوكَ، يريدون عَظْمكَ، حتى النخاع.
هُزَّهُمْ، هُزّهم، هُزَّهُمْ.