أبو محجن الثقفي ... أثناء تجواله - عزالدين المناصرة

يُعادُ (أبو محجن الثَقَفيُّ) ﺇﻟﻰ سجنه، كي يتوبْ
يُسجَّلُ تاريخُ عصيانهِ ﻓﻲ الحقائب،
تُكتبُ عنه التقاريرُ،
يُمنع من شمّ عطر الورودْ
نقرّر كيف اغتيال هويّتهِ ﻓﻲ صباحٍ الجَليدْ
يُعاد ﺇﻟﻰ كهفهِ بالقيودْ
تُحاصرهُ الشائعاتُ، ويُسأَلُ عند الحدودْ:
- (محروقةٌ سُفُني ... من كثرة العصيانْ
مجبولةٌ مُدُني ... بالقشّ والزوّانْ.)
- ولكنَّهم حمَّلوه الشظايا التي عُلِّقتْ ﻓﻲ شرايينهِ كتباً،
صبغوها بلون الشقائق، تحمل طعم الخلودْ
أتيتُ إليكِ، اقبليني، وهذي عيوبي، وهذي سلاسلهمْ ﻓﻲ الزنودْ
أتيتكِ، هذي كراريسهُمْ، سأبول عليها، وأرمي ﺑﻬﺎ ﻓﻲ المياهِ،
وفي وطن المزرعةْ
(حِذائي) إذا اشتدّتِ الريحُ
يا سيِّدَ الآخرينْ
إذا هبَّت المعمعةْ
سيوفٌ تُقعقعُ،
تخلع رأسكَ، والجَعْجَعَةْ
فإنْ رُمْتَ بابَ التفاوضِ،
لن تتفاوضَ إلاَّ معه.
أجوب البلاد، أحاور أطلالها الصامتاتِ،
هُنا زمن صارخٌ كالأفاعي المرقّطة النافرةْ
أجوب البلاد، أسامر فيها مغاورها، وحقولَ الذُرَةْ
حبيبي الذي قطع الأرض، يبحث عنّي، أما
للغريبين، بقعةُ وهْمٍ، يموتان فيها، ألا مقبرة!!!
بلاد القذى والأذى والصديدْ.
(حذائي) سيرفعكُمْ عاليًا، عاليًا،
يا عبيد العبيد.
تدحرجتُ من رمل وادي الغضا، وطُردتُ من السفحِ،
صرتُ خليعاً، أطارد أذناب شيخ القبيلةِ،
تجَّارها العائدينْ
تدحرجتُ ﻓﻲ واحةٍ، همتُ يوماً بغزلانها النافرات من الصائدينْ
إذا جُعتُ آكُلُ رأس سميري
أو اشتقتُ للكاس، أذبحُ صاحبَ حانتنا المُقْفِرَةْ
أجوب البلاد، أسامر فيها، مغاورها، وحقول الذُرَة
(محروقةٌ سُفُني ... لأنني بركانْ
مجبولة مُدُني ... بالقهر والحرمان).
- سمعتُ النساء يقلن ﻟﻬﺎ: أطلقيهِ،
ففي وجهه توبةٌ كصلاةِ الرسولْ
رأيت وحوش البراري تصيحُ: إذا تاب فلتُطْلقيهِ،
ففي صدرهِ عنبٌ من جبال الخليلْ
أنا من أقام صروحاً من الشعر عن عنبٍ للمديحْ
أنا من رأى، قبل أن يفعل الآخرونْ
أعود ﺇﻟﻰ ﻣﻨﺰﻟﻲ ﻓﻲ الصباح الصبوحْ
وليس لنا ﻣﻨﺰﻝٌ، غير هذا الصفيح
أنامُ على دِكَّةِ الفقر، ﻓﻲ رأس هذا الفضاء الجميلْ
أعاقر خمر الرفاق، أنام ﺇﻟﻰ مطلع الفجر،
أبكي بكاء الكهولْ
أُعاتب هذا القتيل.
وأبقى هنا لاهثاً، باحثاً عن سيوف العشيرةِ،
ﻓﻲ غبشِ الليلِ قرب ينابيع وادي الصدأْ
تدفّقَ سيلُ الخطاب على منبر الشعراء، فقالوا: نَعَمْ
كلاب العشيرة قالتْ: لَعَمْ.
سمعتُ الرصاص على ورق الطاولةْ
سمعتُ البلابل تشدو، بلا وَتَرٍ أوْ نَغَمْ
ففكّي وثاقي، ﻭﻟﻢ أَذُق الخمر، فكّي وثاقي، اقبليني
رصاصُ العقارب فوق جبيني
حِرابُ الأقاربِ، مغروزةٌ ﻓﻲ عيوني.
- وحين تقولين: رملُ البلاد، جبالُ البلاد، مدائنُها
زيّنتْ خصرها ... وأضاءت وجودي
أعود لسجني – أعاهدك الله – فكّي قيودي!!!