جفرا في سهل مَجِدُّو - عزالدين المناصرة

سأفكفكُ أزْرار قميصِ الوردةِ سرّاً ﻓﻲ الليلْ
فمُها كالسمكةِ، وردةُ هذا الليل
قال الحطَّابُ القَرْفانُ المرميُّ بغابتهِ السمراء:
يا هذا لا تستعجلْ
ﻓﻲ الليل ورودٌ تَخْجلْ
فتوشوشُ ﻓﻲ الفجر شقيقتَها بكلامٍ عيبْ
وهناك ورودُ تَسْتَلُّ مخالبَها، لا تخجلْ
تغتصبُ الزنبقَ ﻓﻲ الوادي،
تحصدهُ بالشفرةِ والسيفِ، وبالمنجلْ
كم واعدتُ الوردةَ ﻓﻲ الليل على سطح الليلْ
كم كَذَبَتْ كالأسنانِ البيضاء الضاحكةِ بصدغيها
كم خِفْتُ عليها
وأنا ﻓﻲ غابة أشواك الصبر الأخضرْ
أتقلَّى من غضبٍ كالماء الفائر ﻓﻲ المرْجَلْ
تأتي، قد لا تأتي
مطلوبٌ مني أن أتجمَّلْ
تأتي، قد لا تأتي
مطلوبٌ منّي ألاّ أسألْ
سأنتّفُ أوراقَ الوردةِ حتى تأتيني الوردة
سأفتّتُ هذا الحجرَ بكفيَّ مخدَّةْ
أشرب كأس عصيرٍ من جَعْدَةْ
أشرب وقْع مسافات الساقين المرمر
ﻓﻲ قاع محطّات الزمن الأصفر
أشرب زمناً ممدوداً ... وبطيئاً،
ﻓﻲ منعرجات الدَفْتَرْ.
سأحبكِ،
هذا درب الليمون الفضّيْ
يتلألأ بعد المطر الصيفي.
سأحبك،
هذا قلبي منثورٌ فوق الطرقات العرجاءْ
هذا عودي،
سأدندن أنشودةَ سهلِ مَجِدّو،
عودي،
هذا عودي الأخضر فوق شفاه الكنعانياتْ
هذا دربُ البرقوق على خارطةٍ مهترئةْ
هذا مَفْرِقُ مَعْصرة الزيتون
هذا أثر الثعلب ﻓﻲ حقل القثّاء.
سأبوسُكِ، بَسْ تيجي ، يا عمّتنا النخلةْ.
ﻓﻲ سهل البطيخ الأشقر
مَرْمَغْتُكِ بالرمل الأحمرْ
غَمَّستُكِ بالزيت وخبز الطابون
نَظَّفتُكِ بالصابون وملحِ الليمونْ
فَرْفكتُكِ ﻓﻲ عتم الزمن الكُحليْ
وسألقاك بدون السينات البدوية
ثُمَّ أشمُّ مواويلكِ عن بُعدٍ، ألقاكِ،
ولو رفرفت الغربانْ
ألقاكِ غريقاً ، يتعلق ﻓﻲ البحر الأسود ،
أخشاباً من غابة كنعان.
سأخربشُ خجلي ﻓﻲ هيئة أفعى
أرسُمُ سَاقيْها كالجدولْ
أرسم ماءً يتدفق بين الخطين المصقولينْ.
أرسم طيراً أخضرَ ﻓﻲ أطراف مغارات الغابة
أرسم زهراتِ القندولِ على الصفّينْ.
أرسم زنبقةً ووعولاً ، تتراكض ﻓﻲ الليل البُنّيْ
ﻓﻲ سهل العنب الدابوقيْ
أرسم طاقيَّةَ إخفاءٍ لأزوركِ ،
ﺛﻢ أُكحّلُ جفنيكِ ... بلونينْ
وأوزّعُ قافيتي وخيولي بين مَجِدّو ... وَمَجِدّو.
ﻓﻲ سهل مجدّو يرتفع العَلَمُ الكنعانيْ:
الأخضرُ زرعي ، داسوه بجرّافاتْ
الأحمرُ، قُرباناً، أُهديهِ إلى الإيلْ
كبشيْ، أُطلقُهُ من أجل مناماتْ
الأبيضُ حقلُ الملحِ، شربناهُ على المُنعرجاتْ
الأسود قهرٌ ﻓﻲ أضلعنا من زمنٍ فات.
إنْ جاءت جفرا ﻓﻲ موعدها،
أرسم نافذةً، وعلى الإفريز حمامة
لاحقها صقرٌ كقذيفة نارْ
أرسم فوق العشب مُسدَّسَها
وإذا غابتْ، أرسمُها كزجاجٍ مكسورٍ ﻓﻲ المرآة
أمطرُها برزيل الكلمات
أرسمها تسعى، كالأفعى، أَشويها
أُلقيها كالوردةِ ﻓﻲ العارْ.
حين تَساقَطَ فوق سوالفِ أشجار الزينةْ
مطرٌ ورذاذٌ من شبق الحبِّ الأخضرِ،
أصبحتُ رهينةْ.
كان هدير الصوت على الإسفلتْ
أخبرني عصفورٌ دُوريٌّ مَرَّ على مقهى الشجرةْ
أسمع همهمةً وعويلاً ﻓﻲ الخطوات البريَّة
من خلفي هبطتْ فوق العينين أصابعُها
قمتُ تحسستُ طراوتها ﻓﻲ الصمتْ.
أعطتني أسئلةً ورموزاً وإشاراتْ
ألقيتُ مسدَّس خوفي ﻓﻲ الوادي
فكفكتُ الأسرار الوردية ﻓﻲ الليلْ
فكفكتُ قميص الوردة.
- كانت جفرا أنقى من ثلج السهل،
تُسندني بأصابعها، تحميني.
النهر الدمويُّ وحيداً،
كان يُراقبُنا ﻓﻲ الليل المجهولْ
مَغْيوظاً منّي ... كعذولْ.