راهب العزلة - عزالدين المناصرة

راهبٌ عابرٌ ﻓﻲ الشوارعِ،
يقرأ حزن الطيور المقيمةِ،
حول شواهد أهلي،
بتلك الروابي.
راهبٌ يقرأ الأرضَ باللغة العربيةِ،
يقرأ هذي النقوش القديمةِ،
يقرأ حزن الجبال العتيقةِ،
حزن النوافذ، حزن الخوابي.
راهبٌ جرّب النفيَ،
من منكُمُ جرّب النفي، والصلبَ،
يومَ الأحدْ!!!
حاملينَ نياشينكمْ،
كلُّها كذبٌ، يا طواويسَ، هذا الزمان الرديءْ.
تبصقون على جثث الشهداءِ،
وترمون كلَّ بريءْ.
راهبٌ مُفْعَمٌ بالضياءِ،
تأخر عن بهجة الكرنفالِ،
فهل يكفر المؤمنُ الصَلْبُ،
لو جاء ﻓﻲ زمنٍ لا يضيءْ ؟؟؟!!!
هذه الدربُ تُفضي ﺇﻟﻰ القتلِ،
سيّان، أن تكتوي باللظى والصهيلْ.
إذا ما رفعتَ شعار الهوية، قرب الخليلْ.
هذه الدربُ، تفضي ﺇﻟﻰ الوجع المزمن الهارب فينا،
المقيم بنا
والدروبُ سواسيةٌ،
وإنِ اختلفَ الشكلُ،
بين اليباب، وبين هواكِ البليل.
هذه الدرب، تفضي ﺇﻟﻰ الحقدِ،
مرعبةٌ هذه الليلة المستجدّة فينا
ولا فرق ﻓﻲ الجوهر المتمدد ﻓﻲ القلبِ،
كلُّ البلادِ أسىً واغترابٌ، دموعٌ،
فراقْ.
والذي سيمدُّ اللسانَ، لكلِّ الأماني الصغيرةِ،
طفلٌ، كأني مزار عتيقٌ،
كأني ولدتُ، وقد منعوني من الاشتياقْ.
المقابرُ ﻟﻲ
التشرد ﻟﻲ
التمزق ﻟﻲ
التباعد ﻟﻲ
وهذا الرحيل الطويل.
كلُّ شيء خذوهُ، ببلطاتِكمْ ﺛﻢَّ أصواتكمْ ... والذراعْ.
كل شيء خذوهْ:
رمادُ القبيلةِ ينطقُ،
يمتشقُ السيفَ طفلٌ بلون الورودِ،
يعانق ﻓﻲَّ اقترابي،
من الغضب المستحيلْ.
كلُّ شيءٍ خذوهُ ... التواريخُ مِلْكُ الزمانِ،
المخبأ فينا، ولا من متاعْ.
من ترى منكُمُ،
حارب الحقد ﻓﻲ قلبه مرةً، واستعار الحنانَ،
من الناس، والشجر الساحلي، وموت الرفاقْ.
من صهيل رياح السفوحِ،
ومن رقصة اللوزِ،
من صخرة، مرّ فيها البُراقْ.
هذه الدرب، تفضي ﺇﻟﻰ القتلِ،
من خانَ أُمّي،
يخونُ أﺑﻲ،
ﻓﻲ زمان الخنا.
هذه الدربُ تفضي ﺇﻟﻰ القتلِ،
أُمّي: حنانيكِ، صوتٌ فريدٌ، أنا.
عندما يهبط الليلُ ﻓﻲ الرملِ،
ﺛﻢ أراك تنادين ﻓﻲ الفجرِ،
مثل يمامة وادي العَسَسْ.
أقول: الغناء لأمي
وهذا التوجّع أمي
ﻭﻓﻲ دار أمي فَرَسْ.
تحمل الهمّ، تصهل، بيضاء، شهباء، قيلَ،
وقيل: حماميةُ اللونِ،
إنْ هجم القهرُ فجراً،
يرنُّ جَرَسْ.
للكنيسة صوتٌ حنونٌ،
لأمي ضفائر سوداء،
مثل ليالي الخليلْ.
أكتب الآن من شارع يتمدّدُ،
بين التوابيت، فوق أكفّ الزغاريد، مبحوحة كالطبولْ
والرمالِ التي ضاع فيها الدليل.
- نلتقي الآن، هذا الصباح نديٌّ،
وأنتِ تأخرتِ عن ثلج هذا الصباحْ
لماذا تأخرتِ، هذا البياضُ،
يدحرجني مثل تفاحة طازجة.
وأنا واقف تحت مقصلة الانتظارْ.
وكم من رصيفٍ تلامس فيك،
أرى فيك مرّ الصباحاتِ،
يا فتنة العرب العاربة.
تولّهتِ،
هذي المنافي قبورٌ، وهذا السوادْ
وهذي الحجارة، ليست لنا ... إنَّها للرمادْ.
ﺛﻢ، إني تناثرتُ عند المغيبِ،
وكانت مطاراتهمْ،
تفصل الشوقَ عن حُبّهِ ﻓﻲ الزقاقِ،
ونحن الجريحين من عهد – عاد.
ﺛﻢ لا أكتم الشجر الأخضر المتناثر،
ﻓﻲ سفح جرزيم، أن أنحني وأقولْ:
الرحيل من النيل حتى الفراتْ
ومن بردى، للخليلْ
كالطريقِ الطويل من الجرح
حتى التوهج ﻓﻲ ساحل المستحيل.
ﺛﻢ ... إني أقولُ:
ولن تعرفي، أيَّ ظلٍ يلاحقني، سأقولْ:
طاف بحر العَتَبْ
راهبٌ من غَضَبْ
ليس غير الرصاصْ
لغة الاختصارْ
وطني عقدُ ماسْ
وطني من ذهبْ
ليس غير القصاص
ﻓﻲ ربيع العتب.
-(تعرفين الراهب، المتشح بالسوادِ،
الحامل القناديل، ﺇﻟﻰ دير سانت كاترين
المفعم بالإضاءة الأرضيةِ،
إنه يتجه ﺇﻟﻰ القبو،
يلقي السلام على سيدةٍ تنزف شرايينها).(1)
- عندما يرحل الراهبُ المستضيءُ بزيت القناديلِ،
كان اشتراه من الشجر الأخضر المتناثرِ،
ﻓﻲ بيت لحم السماءْ
عندما يرحل الراهب المتجدد فينا،
ﻭﻓﻲ قلبه هاجس كالبراكين،
ﻟﻢ تعترف بلدةٌ ﻓﻲ المنافي بهِ،
قيل: كان يُحبُّ أزيز الحَطَبْ.
عندما يرحل الراهب المستضيء بزيت القناديلِ،
نحو الطفولةِ،
أعني تِلالاً، رآها على البعدِ،
شرقيَّ حقل الرعاةْ.
- (ﻓﻲ شهر آذار المبلّل بالرذاذ
يدحج الشنّار على عشب الوادي
تكون الشمس بين غيوم وادي النار.
وتلمع ﻓﻲ السماء النوافيرُ،
مثل خوذة جندي، عاد ﺇﻟﻰ الأهل سالماً،
يكون تل الفرديس خاشعاً كراهبٍ،
ﻓﻲ رأسه دخانٌ قديم
قيل للجن، مهبطٌ فيه، وقيل:
أﺑﻲ مرّ من هناك
ﻓﻲ أيام القتل الأولى
أيها التاريخ المتناثر ﻓﻲ مغائر الأعراب
من أصابع قدمي، حتى جلدة رأسي): (1)
- راهبٌ عابرٌ ﻓﻲ الشوارع يقرأُ
حزن الطيورْ.
راهبٌ من رمال النَقَبْ.
راهبٌ من قواقع صيدا وصور.
من جبالِ فلسطينَ ... لكنّهُ من حَلَبْ.