جنازة مقهى - عزالدين المناصرة

ألا لا أقول الذي ...
جعل الريح تبكي، تُقهقهُ، ثُمَّ تموءْ.
ألا لا أقول – انتهيتَ – فما زلت ﻓﻲ غربتي،
مرتعاً للقوافل، ما زلت باب لجوءْ
وللصيف، أنت هواء المروجِ،
وإن كنتَ ﻟﻲ عتمةً، ورسائل غمٍّ، وأخبارَ سوء.
لقد طعنوك، تضاءلت ﻓﻲ الأمّة المستباحة
ومازلت جذراً، تلوح عيونك ﻓﻲ كل ساحة
زرعتُ طحالبكَ الخُضر ﻓﻲ قَصَب الساعدينْ
زرعت التشابيه ﻓﻲ غضب المنحدر
وقلتُ ستكبر طيفاً ورمزاً لأيامنا ﻓﻲ الخليلِ،
تظلُّ ندوباً لقلبي، شِعاباً لمرجانهمْ، ونتوءْ.
أتبقى فضاءً من الانغلاق، وكأساً من الاشتياقِ،
وصوتاً ... وضوء.
تظلُّ حكيماً / يحرّضني جبلُ الثلجِ ﻓﻲ المفرقينْ
ورمزاً لأيامنا ﻓﻲ ضجيج الرُكودْ
سأمسك كأساً من الدمع، أكسره مرّتينْ
سأكسره مرَّةً بالوعود
وأكسره مرةً بالندى.
أيا نادل الجرح ... ماتت أقاصيصك الباكية
ونامت كؤوسك نامت نراجيلك الصاحية
وعُدت لنا بدويّاً تبيع القصائد للمترفينْ
لتغتصب اللقمة السافلة
تغنّي لمن سيجيءُ، تغني لمن سيجيء.
تناثرتُ مثلك يا صاحبي
غدوتُ رحيلاً طويلاً،
يسافر مثل العصافير نحو الصبا الشاحبِ
غدوتُ رماداً يُذَرْذَرُ ﻓﻲ النهر،
أو مجزرةْ
ﻭﻓﻲ كل قُطْرٍ لنا مقبرة
تعود العصافير للدور عند المساءْ
وأجتاز كل نقاط الحدودْ
خيالي هو القوّة الظافرة
لأصحو على رحلةٍ أو شهيدْ.
تَفَتّتْتُ مثلكَ يا صاحبي
أقيم على حجرٍ ﻓﻲ الهواءْ
حفرتُ بذاكرتي عاصمة
وشبّهتُ داري وسيجّتُها بالحديدْ.
توزّعتُ مثلك يا صاحبي
نداماي مرّوا، وما سألوا عنكَ، عنّي
عن النقش والشاي والطُحْلُبِ
نداماي تاهوا برمل المفازاتِ
ﻓﻲ غابة الأرجوانْ.
تآكلتُ مثلك يا صاحبي
دموع الأحبة، صارت مشاعاً
لكل قريب وكل غريبْ
وأنتظر الوعد ... هل فيهُِمُ من يؤوبْ
وأنتظر الوعد، هل يصدقُ الوعدُ، قد يكذب الوعدُ،
يا زارع الوعد، ﻟﻢ تلتزم بالوعود.!!!
وهُمْ يهدمون جدارك كان فؤادي جريحا.
وهمْ يخلعون العباءة من قصب الماءِ،
كنتُ ذبيحا.
وكانت أساميهُمُ تتلاشى وما نقشوه.
أضاعوا بدايتهمْ مثلما ضيَّعوه.
أضاعوا نهايتَهُمْ مثلما ضيَّعوه.
سأبكيك ما حنّ طفلٌ لشهوَةْ
سأنقش وجهك ﻓﻲ كل فنجان قهوةْ
وأبكيك ما تاق قلبي لنبع الهضاب
وأبكيك ما لمستْ شفتاي الشراب
سأبكيك، حتى أصير تراباً على جسدٍ من ترابْ.
مساءً سأرحل يا سيّدي من جديد.