المقهى الرمادي - عزالدين المناصرة

عندما نأتيه نصطاد السويعات اصطيادا
عندما نسعى إليهْ
تهتف الأشواقُ في الأعماقِ تزداد عِنادا
أيّها السارون ﻓﻲ منتصف اللّيل ﻭﻓﻲ أعينكمْ
ظمأٌ للدفء ﻓﻲ أحضان مقهى
لتَعُبُّوا من صفاءِ الليل كأس الحزن مكروراً،
مُعادا
افتحوا ساحاتكمْ، جاء الرماديُّ الكئيبْ!!
ليس مقهى، ﺇﻧﻤﺎ صوت الصدى ﻓﻲ الشاطئينْ
ليس صوتاً فارعاً يمتد ﻓﻲ نار ضلوعي،
ﺇﻧﻤﺎ المقهى الذي زاد ولوعي
شربتْ ردهاته بحر دموعي
ذلك المقهى الذي يقبع ﻓﻲ حضن الحُسينْ.
جئتهُ ﻓﻲ ليلةٍ غامضةِ الأسرارِ كي أدفِن أحزاني،
وكي أُلقي اليدينْ
فوق شاي الركبتينْ
جئته ﻓﻲ ليلةٍ واحدةٍ يا أصدقائي،
صَدِّقوني
مرّتينْ !!!
والمغنّي
كان ﻓﻲ المقهى يُغنّي:
(يا عزيز العين إنّي)
لتراب الشام مشتاقٌ ﻭﻓﻲ قلبي جروحْ
من تُرى منكم يبيعُ الآنَ ﻟﻲ
(كَبداً دون قروحْ)
كان ﻓﻲ المقهى يغنّي
ذلك المقهى الذي يقبع ﻓﻲ حضن الحُسيْنْ.
ﺛﻢ ماذا !!
كانت السيّدة السمراء تجلسْ
ﻓﻲ الزوايا ترسل الضحكة للأطفال ليلاً،
ﺛﻢ تهمسْ
وحواليها ثلاثٌ من بنات العائلةْ
تومئ النظرةَ بين الحين والحين إليْ
ﺛﻢ تهمسْ
ﺛﻢ تهمس
ما الذي تهمسه السيدةُ السمراء عنّي؟
آهِ ... كم أشتاق أن يُجمعَ شملُ العائلة
لأصلّي فيك يا مقهى صلاةً نافلة
أنت تسقينا كؤوس الشاي خضراء،
وحمراء ... ﻭﻓﻲ لون البنفسجْ
(أيُّها الزهر الحزينْ
رغم هذا أنت تُبهجْ)
فاترك الأحزان يا أزرقُ، دعها للسنينْ
آهِ لو تعرف حزن الآخرين
يا حزين!!!
كلّما يا جارتي، هلَّ المساء
تسألينْ
أين يمضي الملك الضلِّيلُ ﻓﻲ كل مساء
أنت لا تدرين أين!!
أوّلَ الليلِ أَجُرُّ الخطو، لا تدرين أين؟
نحو مقهى أشرب الأحزان من جدرانه قرب الحُسينْ
ﺛﻢ أدعو للحسينْ
بالرضا عن رأسه ... والراحَتَيْنْ
ﺛﻢ يمضي الملك الضلّيل للمقهى الرمادي القديمْ
كللتْ حيطانَهُ خُضْرُ الطحالبْ
ونسيجُ العنكبوتْ
كلُّ ما فيه يموتْ
ها هنا أدفن رأسي
ﻓﻲ رمادٍ مِنْ حَطَبْ
ﻓﻲ كؤوس الشاي حمراءَ وخضراءَ،
ﻭﻓﻲ لون الخُطَبْ
ها هنا أدفن يأسي
وأقولُ اليومَ خَمْرٌ ... وغداً ... يا غُرباءْ
اسكتوا يا غُرباء
ارقصوا يا غرباء
فورا الثأرِ مِنَّا خُطباءْ !!