رسائل متبادلة ... بيني وبين الموت - عزالدين المناصرة

كاتبتُ الموت وكاتبني هذا الأسبوعْ
عانقتُ الموت وعانقني قرب الينبوعْ
قاتلتُ الموت وقاتلني يا سَعْف يسوعْ.
أصغيتُ ﺇﻟﻰ وقْع خطاهمْ، وهي تجوب شوارع روما،
تلتفُّ بأقنعة الأسرار
دقَّ الجرسُ الهاجس ﻓﻲ صحراء القلبِ،
ذكرتُ السيّدة الخضراءْ
ﻓﻲ جبل الصبر الأصفر، تذكرني ﻓﻲ ميدان الساعةْ
فلقد رفَّتْ عيني اليُسرى، أعرف أنَّ الباعَةْ
ﻓﻲ آخر هذا الليل، يموتون على أرصفة الأحياءْ
الليلةَ أذكر ما عَزَّ من الأشياء
الليلةَ أطفح بالهمّ الآتي من سفن الطوفانْ
تصبح أشجار الزينة قاتمةً ﻓﻲ روما المذبوحة
أعرف أنّكِ ﻓﻲ هذا الوقت تذوبين حنيناً للعرس الوهميّْ
لبطاقاتِ اللغة العرجاء وطيف الدوريِّ الممنوعْ.
تمضين ﺇﻟﻰ شجر الموسيقا تحت الكرز البريّْ
أسمع وقْع خطاهمْ حول نوافيرك يا روما الصمتْ
ﻓﻲ بعض شوارعك الصفراء،
الثلج على الأشجار يغازلني.
- إلبرتو ... يروي ﻟﻲ قصّة طير الوقواقْ
ليعزّيني ﻓﻲ ليل الأرصفة الخائفة العرجاءْ
إلبرتو ... قبَّعةٌ من قشٍّ مبلولٍ ﻓﻲ قنوات الماءْ
إلبرتو ... يلحقُها بصفيرٍ فتّانٍ ﻓﻲ الأسواقْ
ﺛﻢَّ يناديها ويُناغيها، يستدرجها للمقهى
ناداني ... أأراك صباحاً قرب المقهى؟!!
شوَّحتُ بكفَّي، فابتسم عجوزُ العصيانْ
إلبرتو، إلبرتو، إلبرتو، إلبرتو.
كاتبتُ الموت وكاتبني قرب الينبوعْ
عانقت الموت، وعانقني هذا الأسبوعْ
قاتلتُ الموت وقاتلني هذا الأسبوعْ.
- جاءوكَ مساءً ورأوا ﻓﻲ عينيك البحر الوحشيَّ الملدوغْ
ﻟﻤّﺎ عرفوكْ
فرحوا، دبَّ الرعبُ الأصفر فينا، لمَّا عرفوكْ
قرأوا فوق سريرك أشعاراً من عنب الروحْ
هل ترقد وحدك ﻓﻲ روما، لا ينتبه البوَّاب لجثّتك المرميَّةْ
فلتزحفْ ﻓﻲ هذا الليل الموحش نحو الشطآن الرمليَّةْ
احضُنْ عشب بحيرات الكَسْدَرةِ اليومية
مرّغْ أنحاءك ﻓﻲ الرمل السحريّ، اغمسْ وجهك ﻓﻲ الماءْ
تأتيك على الشطّ حماماتٌ، تُعطيكَ رموزَ الساحات الحجريَّةْ
ﻟﻢ تقرأ صحف الأمس الموبوءْ
لن تلمح ﻓﻲ المانشيتات إشاراتِ البوح المذبوحْ
لفلفتَ الجسد الذاوي، بقصيدي، ومضيتْ.
- الليلة أجلس ﻓﻲ زاوية المرقصِ منكسراً،
فلقد كانت ليلتُنا مُرَّةْ
وخليلُ بنُ سلامَةَ، قال بأنَّ المرَّة، آخر مَرَّة
وبكى مثلي مدن الصحراء المُغْبرَّةْ
فلقد شاهدنا خيل الجامعة مع الأضواء المُحْمرَّةْ
تمتصّ ضلوعك من تحت الأرجُلْ
وخليل بن سلامَةَ، يغلي حزناً كالمرجلْ
ﺛﻢّ تشابكت الأيدي ﻓﻲ المرقصِ،
ﺛﻢَّ تعانقت الأرجُلْ.
- وأخيراً:
يا موتُ، ألا تتركْ أهلي
يا موتُ، ألا تترك أهلي
يا موتُ، ألا فاترك أهلي