الحبّ ... لونُهُ أخضر - عزالدين المناصرة

- [ يا عَمْ ناظمْ ]:(1)
- أتكسَّرُ شوقاً، ﻟﻤّﺎ يأتيني صوتُكِ ﻓﻲ صُبحٍ مسحورْ
أسمع خطواتكِ فوق الدرج الحجريّ المكسورْ
طقطقةُ الكعب الأسودِ، رجرجةُ الخاصرةِ، أزيزُ النارْ
ﻓﻲ قلبي، يَخْضَرُّ العشب الناشفُ، تنهمر الأمطارْ
مَنْ جاء بوهج الغاب ﺇﻟﻰ نافذتي السحريَّة؟!!
من جاء بجيران البحر ﺇﻟﻰ شجر المحميَّةْ؟!!
من نسيَ الدُرّاق السريَّ على طاولة البار؟!!
من أوقد قنديل البحر على صدر الجِنيَّةْ؟!!
الهجراتُ الدمويَّه
نُقطٌ سوداءُ على فخذ الحَيَّةْ
أشرعةٌ ﻓﻲ صحراء الوهم برأسي، وهواجسُ نَّيَةْ
شبقٌ ﻓﻲ كحل العينينِ، ﻭﻓﻲ رأس قلاعٍ منسيَّه
أم أنَّ ضلوعك كهربةُ التنّورْ
أتكسَّر شوقاً، لَمّا يأتيني صوتك ﻓﻲ القول الدمويّْ.
يا عَمْ ناظمْ:
- تحمل مصباحك والشمسُ على القيعان تجولْ
أمسِ رأيتكَ ﻓﻲ اسطنبولْ
أمس سمعتك ﻓﻲ عتمات السجن تقولْ:
لو كنتُ شعاعاً ﻓﻲ الليل القاتِمْ
لذبحتُ الفقر الكلب، وأعدمتُ الحَشَراتْ
ﻓﻲ هذا العالمْ!!!
يا عَمْ ... ناظمْ
لو كان العاشق ﻓﻲ هذا الصمت المغلولْ
يتنفس ﻓﻲ هذي الصحراءْ
أو يشرب من بير الكرم الجبليّ الشاسعْ
أو يسمع وَقْع خُطاها ﻓﻲ سفح القلب تغني
لاجتاحتْ أشواقي صحنَ الدارْ.
الفعل المقبل سوف يكونْ
فلنقتلْ بعض فواصل هذي الكلمات الحمقى.
- أجلسُ ﻓﻲ المطعمْ،
كيما ألقي آلامي فوق الطاولة الخرساءْ
أتلصصُ نحو امرأةٍ من عنب البحر
أنفُثُ آهةَ حزنٍ عرجاء
تتلوّى كالثعبان الأرقط،
ﺛﻢ تطير على حيطان المطعمْ
يبصرني النادل ﻓﻲ صمتي أتكلمْ
يسألني، إنْ كنت بكيت رحيل الأشياءْ
يا سيّدُ، لن تأتي ... هذا خطأ شائعْ
يا سيّدُ: أستحضرُ صورتها ﻓﻲ هذا الوقت القاسي
يا سيّد: أنتظر الصوت الرائعْ
طقطقة الكعب الأسود، فوق الدرج المبهورْ
أَتَحسَّسُ كاسي المكسورْ
فوق الطاولة الخرساءْ.
- يا ذات الكعب الأسود،
قُدّامكِ دربٌ سالكْ
أعشق فيك الأخضر ﻓﻲ العينينْ
تمشين كتفعيلة بحر المتداركْ
فأحبّك كالنهر الراحل نحو الشطآن الورديَّة
وأُحبّكِ كالطفل إذا اشتاق لثدييْ سيّدةٍ غابت
ﻓﻲ الزمن السالفْ
وأحبّك كالسفر على الغيم ... دخولِ مطارات المنفى
وأحبّك كالجائع لو أمسك بالخبز الناشفْ
وأحبّك كالمؤمن لو لاقى ربَّهْ
وأحبك كامرأةٍ ولدتْ طفلاً بعد دهور العُقْم الصمّاءْ
وأحبّك مثل سجين، قابلَ ﻓﻲ باب السجن حبيبَتهُ،
بعد قرار الإخلاءْ.
الليلة أقفرت الباراتْ
رغم ضجيج سُكاراها
الغيم الأشقر والموج وقعقعة العَجَلاتْ
رحلتْ ﻓﻲ وادي الجوزْ
وغزال الرنّة، حيّاها
فطفقنا نصطاد البطّ البريَّ من النهر المالحْ
الواحةُ من فرح رقَصتْ ﻟﻤَّﺎ أسكرناها
طرطشتُ الماء على سرب نساءٍ جوريّاتْ
قمرُ الماوردِ يُرشرشني تحت غطاء النخلة
أزرقُ، أزرقُ، يا أزرقْ
أسبح ﻓﻲ بحر العَمْبَقْ
أسبح ﻓﻲ فيروز الأفق الممدُودْ
أزرقُ، يا أزرقُ يا أزرقْ
أمشي من واحات القَصَب ﺇﻟﻰ المفرقْ
قالت ﻟﻲ: دربك يا هذا من عوسجْ
وأنا بنتُ التوت الأحمر!!!
- لكنْ – يا سيّدتي – سأقول الحق، ولو قَصّوا عُنُقي:
نهدان من التوت على شرفات زرقاءْ
مدّي كفّيك ﺇﻟﻰ حُرَقي
مدّي منديلك واعترفي
إنّي من طينٍ ... وجنابكِ من خَزَفِ
أتفتّل كالماء الطيّب أشجاراً ونباتْ
ويمرُّ الزمن الأسود
تنكسر الفتنةُ ﻓﻲ سنوات.
ﻭﻟﻬﺬﺍ أقسمُ بالطير الأخضر ﻓﻲ صدري
بأبي ﻓﻲ البستان، يُقصقصُ أغصان الدُرّاقْ
وبأمّي تنسج أشواقاً للغائب عن قاع الدار
أقسمُ يا غالية العينين، ويا طاهرة الدقّاتْ
لن يفلت قلبي من فخّكِ، لن يُفلت قلبي.
حتى لو صرتُ رماداً مرميّاً ﻓﻲ آخر عُمْري.
لكنْ يا سيّدتي ﻟﻲ شرطٌ واحدْ
شرط واحدْ
أن تزني طقطقة الكعب الأخضر، فوق الدرج المكسورْ
ذلك أنّي، سأخاف عليكِ من الشوق المبهورْ
ﻓﻲ صدري، يعلو، كالقمر المنثور
من فوق مزابل قريتنا البيضاء الدورْ.
- حينئذٍ سأحبك يا غاليةً عندي،
فوق سطوح الدورْ
ﻓﻲ الليل الموتورْ
يتدفّقُ من قلبي بحر النورْ.