تأشيرة خروج - عزالدين المناصرة

أنا عاشقٌ من نبيذٍ وطينْ
أنا عاشقٌ خلف بابكِ، أشكو، ولا تعلمينْ
ألا ترحمين عذابي ... على شرفةٍ أنتظرْ
فضاؤكِ سجنٌ كبير، له شرفةٌ واحدة
تؤدي ﺇﻟﻰ بئر هذا الزمان الحزينْ
له دَرَجٌ أكحل القلب، يُفضي ﺇﻟﻰ صالةٍ من مَطَرْ
كأنَّكِ جِنِيَّةُ البحرِ، أوْ رعشةُ الياسمينْ
كأنَّكِ أسطورةُ الحالمينْ
كأنّكِ روحٌ على جُرحنا، شاهدةْ
أنا منذ خمسٍ أنوح
أنا قبل طوفان نوح
أجوب صحاريكِ، أسأل عن واحةٍ أو جزيرة.
سأرحل عنك غداً، فاسمعيني، اسمعي كلماتي الأخيرة:
- ﻭﻟﻲ ﻓﻲ حدائقك الخُضْرِ، أعنابُ خمرٍ، ونخلُ
ﻭﻟﻲ ﻓﻲ مقاعدك الحجريَّةِ، شَهْدٌ، ولوزٌ وتينْ
مواعيدُ، فيك نسيتُ المواعيدَ،
ﻟﻲ فيكِ أهلُ.(1)
هجرتُ لياليكِ، كم أشعلتني لياليكِ،
ثمَّ القناديل، تسهر، حتى انبلاج الصباحِ
هجرتُ الهوامشَ، ثمَّ المُتونْ
أنا عاشقٌ من نبيذٍ وطينْ.
ﻭﻟﻲ ﻓﻲ مقاهيكِ، صَحْبٌ إذا سكروا
أصبحوا سادةَ العالمينْ
وإن صَحْصَحوا، ذكروا مجدهمْ ﻓﻲ السجون.
وفيكِ عشقتُ العيون التي خَضَّرتْ ساحة الجامعة
يُقسّمنَ بالعدلِ غَمْزاتهنَّ على المؤمنينْ
أنا عاشقٌ من نبيذٍ وطينْ
أُسخسخُ لو مَنحتْ قبلةً ﻓﻲ الجبينْ.(2)
وفيكِ تشوّقتُ للنجمة الغالية
رأيتُ السناجبَ، ثمَّ لمحتكِ بُندقةً ﻓﻲ الغصونْ
تحومين كالصقر ﻓﻲ ساحة العاشقين
وفيك تطلَّعتُ للنار والدالية
رأيت الطحالب تأكلُ حيطانك العالية
وأكره صمتكِ، أكره منك الكلامْ.
وداعاً لريشْ.(3)
وداعاً لعمّي (نجيبْ).
وداعاً لرائحة الفلفل الطافحة.
وداعاً لآثارهمْ ﻓﻲ (القناطر)، حيث يجاوبني
الماءُ بالنكتة الناضجة.
وداعاً لشيخٍ يدندنُ بالعود أغنيةً للشفاءْ.
وداعاً لرأس الحسينْ
وداعاً لساقيةٍ ﻓﻲ الصعيدْ.
وداعاً لبارٍ عتيق يُغازل رشرشةَ النهرِ،
ﻓﻲ صيفها الأرجوانْ
وداعاً لحارس دار العلوم.(4)
وداعاً لفهرس دار الكتبْ.
وداعاً، (أماندا) التي رَسَمَتْ صورتي ﻓﻲ الكتابْ
(أماندا) التي حفرتْ وحدها ساحل القلبِ،
ثمَّ أقامت مِسلّتها ﻓﻲ الفضاءْ.
أماندا، التي كالندى ﻓﻲ صباحٍ يطل على
البحر، جنيّةُ القلب، مجنونةٌ حين
تُقْبل نحوي، لتدهسني كالقطار
أموت شهيداً على ساعديك، أماندا التي
حين ترحلُ ﻓﻲ مدن اللهِ، تَشهق روحي
على نجمة البحر، حتى أموتْ.(5)
وداعاً (كفافي)،
نقوشكِ ﻓﻲ هدأة الليل، شمسٌ تعودْ
وداعاً وداعاً وداعاً ...
سأرحل عنكِ غداً، فاسمعيني، اسمعي كلماتي الأخيرة
أنا منذ خمسٍ أنوحْ
أنا قبل طوفان نوحْ
أعلّقُ هذي النصوص على (حائط الأزبكية) بعد المساء الأخير
ألوبُ صحاريكِ، أسأل عن واحةٍ أو جزيرة.
أنا عاشقٌ من نبيذٍ وطينْ
كأنّك لا تعلمينْ.
هوامش:
(1) طلعتُ
فوق السطوحْ
أودّعُ الأحبابْ
أمسكت شعري ... بكفّي
وجدته ... قد شابْ.
(2) يا عيون المسيحْ
ﻓﻲ عيون أثينيّةٍ لا تبوح
بعد عامٍ أعودْ
لا تقولي ستنسى ولا تبخلي
ﻓﻲ جفونكِ شفتُ الوعودْ.
(3) هامشٌ مركزيٌّ كجرسون ريشْ
حيث يوسفُ، ينسخُ تقريره بهدوء.
ﺛﻢ يمطر طيبتهُ بسخاءْ
مخبراً كان من فئة الطيبينْ.
(4) كنتُ طفلاً يطارد سرب الفراشات بين الزحامْ
الكراسي العتيقةُ من قبل طوفان نوحْ
الحديقةُ من نرجس الضوء قبل الفطامْ
حيث خربشتُ روحي على خشب ﻓﻲ
الصرُوحْ
ﺛﻢ أمسكت – ليلى – وبلّلتُها بالشروح
دَرْعَميٌّ أنا ﻓﻲ جبيني وسام
عليك السلامُ عليك السلام عيك السلامْ.
(5) كنت أطاردها من رأس التينِ
ﺇﻟﻰ قاع البحر.
ﺛﻢ تطاردني كالجنيّة ﻓﻲ غرفتها
لتريني عطر عتاقتها
أيتها المتوحشة الرعناء.
قتلتني فتنتُها
للإغريقيات دروبٌ ﻓﻲ العشق الدمويْ.