برقيّات دمويّة - عزالدين المناصرة

سلاماً، آهِ، يا أبتاهُ، إنْ تعبوا
فلن أتعبْ
وإنْ ذهبوا ﺇﻟﻰ أعدائهمْ، خوفاً،
فلن أذهبْ.
بكيتُ على مشارفها البعيدة، حين نام الناسْ
وأبكيتُ البيوت البيض من حولي،
فضجَّ قرنفل الحيطانْ:
تسامق نحو روح الروح، سارت زفَّةُ النسوانْ
هديراً من نعاس الرمل خلفي، يجرح الركبان
يغنّين القتيل الصعب، موّالاً جريح الراس.
وسرتُ مهشّم القدمين فوق الشوكِ،
مأسوراً من الحرّاس.
كم انتثرتْ مودّتنا، ووزّعنا قلوباً ﻓﻲ رسائلنا
على الأيامْ
سياجاً للمدى تبقين، رغم تحاسد الجُلاَّسْ.
سأنشد نَزْف موّالي
أسيرُ – كوردةٍ خُلعت – أسيراً
باسقَ الإحساس.
بياضاً كان وجهك يا مدينتنا ... بكى يأسا.
كأجنحة الحمام على سطوح الدورْ
صفاء الروح مثل دموعك البلّور
دعي الأحزان، هذا اليوم يومك، فارفعي الرأسا.
دعيه يطاول الزرقاء، يجلو كلَّ ما فيها
وسمّي كل شيء باسمه، فالكاس ما عادت لنا كأسا.
سأركب مهرتي الشهباء
لأمتشق الحسام، وأنصب التُرسا.
ولكنّي ...
سأرحل عن منازلَ، أنت سيّدها وحاميها.
مشينا ﻓﻲ دروب الشوك والزّقومِ،
ﻓﻲ الصحراء، ﻓﻲ الزرقاء، ﻓﻲ المركبْ
وهذي دربنا الأولى:
تُعيد الحُرَّ ... مغلولا
تصدّ، ولا تردّ الغائب المتعبْ.
وهذي دربنا الأخرى:
نعيش ﺑﻬﺎ عبيداً نرتضي بالجَوْرْ.
تقول لنا بأن نحيا ... بلا ... شفةٍ
ندور كما يدور الثورْ.
وهذا دربنا الثالث:
يقود ﺇﻟﻰ جزيرتنا البعيدة، حيث تسكنها
الشياطين الشتائية
لتسرق خاتمي ﻓﻲ الليل جِنيَّة
لأصرخَ يا علاء الدين،
أين السرُّ، ضاع السرُّ،
كيف أفكُّ هذا الطَلْسَمَ المأسورْ.
ولا شبّيك، لا لبّيك، فاسمع صرخة المقهور.
فقد أوشكت يا أبتاه أن أَغْضَبْ
ﺇﻟﻰ الحدِّ الذي لا يرهَبُ السكّينْ
قبائلنا على الحيطان تنشدُ خطبةَ التسليمْ
سلاماً آهِ يا أبتاه، إن تعبوا، فلن أتعب.