دموع الكنعانيات - عزالدين المناصرة

طيلة أيام الأسبوع، أسافرُ
ما بين الجذر الأحمر، والجذر الأخضرِ
ما بين عناق اللونين، أذوبْ
ما بين عناق اللونين أذوبْ.
ثُمَّ تهاجمني نجمات الليل المثقوبْ.
وتهزّ الذاكرةَ:
شُجيراتُ السدرِ ... تجيءُ محمّلةً،
بعطور الكنعانييّنَ الآراميّينْ
ﻟﻢ تَكُ أندلساً، بل كانت خيلاً جامحةً،
تسبقُ أشواقَ الفرسانْ.
يبنون متاريس، على المرج المنبسطِ،
من الناقورة حتى القيعانْ.
الكنعانياتُ، ربيعٌ من ذهب رنَّانْ
صلَّينَ على الجبل المبتلِّ بدمع الآباءِ،
المجروح بسيف الأعداء.
الجبلُ المبتلُّ بدمع الآباءِ،
المجروح بسيف الأعداء، يُصلّي أيضاً،
للطلل الواقفِ فوقَ الرأسِ الوقّاد، العالي السَهْرانْ
المعشوشبِ دمعاً ودماً، والباكي وحشتَهُ،
لولا أن حماماتٍ طارتْ، حطّتْ
وأقامت، أعشاشَ مساكنها، قُربَ الغُدرانْ
تتدلّعُ قرب حقول الزيتونْ
تتزعْرنُ قُرب الغابات السوداءْ
تركض، عبر الأنهار قديماً وحديثاً،
وكذلك، كان الكنعانيون يجوسونَ
المدنَ الصفراء، المكتظةَ بالسكانِ،
الداميةَ الأجفان، الباهتةَ الألوانِ،
الساطعةَِ الأحزانْ.
فلقد جرّحهم صمتُ الأنهار، وصمتُ الصحراء،
وصمتُ الأرصفةِ،
اقترب التشبيهُ، وحنّوا
لحصاةِ النهر المتعبةِ الأقدامِ،
من السفر الدائم ﻓﻲ خط النارْ.
حنّوا لحصاة النهر المتعبة الأقدامِ،
من السفر الدائم ﻓﻲ الأنهارِ،
امتدّوا كاللهب، يديرون الكونَ المنهارْ.
يبنون الحلم، تجيئكِ أغصان الليمون،
مُحمَّلةً بالغيم، تزوركِ يا بيروت.
يلسعك الحائطُ بالملصقِ، كالفاجعة الكحلاءْ.
ﺛﻢ تقولُ، بأن الزيتون يزوركَ،
لو داهمك الأعداءُ الإخوةُ، والأعداءُ الأعداءْ.
ﺛﻢ تقول بأن الزيتون يزورك،
لو داهمكَ الأعداءُ الإخوةُ، والأعداءُ الأعداءْ.
يذكرني حتماً ﻓﻲ الليل حبيبي
قالت، إحدى عذراوات الساحلِ،
ﺛﻢ، رقصن، رقصنَ، رقصنَ،
ﺇﻟﻰ أن شققت الأرضُ غشاءَ الأقدامِ،
وَضَجَّ الإعياءُ من الإعياءْ.
ضجَّ الإعياءُ من الإعياءِ،
تعانقَ دمعُ الكنعانيات، وحنّاء الأشجار.
سيعود عريساً يا شجر الزيتون، يعودُ،
تلطخ بالحنّاء المائلِ للحمرةْ.
كان القمرُ الأحمر ﻓﻲ حالة بدرٍ،
ورأين القمر على هيئة طفلٍ،
يركب فرساً خضراء، وقالتْ إحدى النسوة:
حمراءْ.
ﺛﻢَّ تصفّقُ للقمر القادم من بيروت،
أكفُّ الكنعانياتِ ... من الناقورة، حتى الرملِ،
لقد رام اللهُ... اشتدَّ هتافُ النسوةِ:
رامَ اللهُ ... لقد رامَ اللهْ
وبكينَ، وأطلقن زغاريدَ: الزيتونُ يجيءُ،
الزيتونُ يغني الزيتونْ:
سهام المنفى ﻓﻲ عينيهِ،
الزيتونُ الأخضرُ، أحمرُ
بل دمه أخضرُ،
بل أسود، بل أزرقُ،
بل بين الأخضر والأحمرِ،
لا، بل أصفر أصفر،
أصفر مثل الكُركمِ،
قالتْ: إحدى الكنعانيات: هنا دمهُ،
واشتدت نقراتُ الطبلِ:
أيا دمه اللهب، على حيطانك يا بيروتْ.
أقبلْ ... يا أيل القربان، على صخر فلسطينْ
وازدحمتْ أرجلهُنَّ،
أكادُ أشمُّ خلاخيلَ نساءِ جنينَ،
يغنين عريساً ﻓﻲ المنفى،
جسداً مصفراً،
صورتُهُ تبتسمُ على الحيطانْ
صورتُهُ، صارتْ أرزاً للشعراءِ،
وقمحاً للفقراء، وحزباً أخضر للشعب المنكوبْ
صورته صارت أنهاراً، وسماءً للكُلِّ، النعسانْ
صورته تفتح كُلَّ حدود الشوكِ،
وألمحه طيلة أيام الأسبوعِ،
يسافر بين الجذر الأخضر، والجذر الأحمرِ،
ما بين عناق اللونين يذوبْ.