إلى الوجه الذي ضاع في التيه - فدوى طوقان

إلى .. J
-1-
بشذى الذكرى وباقات الهوى
بين قلبي ورفاه الحبِّ صحراءُ -
حبالُ القيظ فيها تلتوي -
تلتف من حولي أفاعي
تخنق الزهر تفحُّ السمَّ فيه
واللّظى
لا تقل لي اذكريني
لا تقل لي
عتّمتْ ذاكرة الحبّ وغامتْ
صور الأحلام، والحبُّ شبحٌ
ضائعٌ يقصيه ليل التيه عن -
عيني وقلبي.
نحرَ الليل القمر
يا رفيقي نحرَ الليل القمر
أنت لو حدَّقت في مرآة قلبي
لم تجد فيها مقر
لسوى الوجه الذي هشّمه الليلُ -
يغطِّي كلَّ قلبي
وجهها الحلو المشوَّه
آه ما أغْلاهُ حلواً ومشوَّه
يا عذاباً يتنامى
يتنامى كل يومٍ
يا جراحاً تتأوَّه !
كيف دارت هذه الدنيا بنا؟
كيف كنّا ؟
حبّنا كان وليداً ، هل نما
وسط الهول وفي قلب الخطر ؟
وطني كانت تغطيه مياه الليل ، كان
قلبه الصامت في ليل الهزيمه
ذاهلاً أسيان ؛ كان الدم في -
الجدران باقات ورود
كنت أهذي :
افتحي صدرك يا أرض الجدودِ
افتحي صدر الأمومه
واحضنيها فالقرابين غوالي
القرابين غوالي
.....
.....
كان وحش الغاب يحسو الخمر في
حان الجريمه
ورياحُ الشؤم تعوي
في الجهات الأربعِ
يومها كان معي
يومها ما كنت في الهول أعي
(أم تُرى كنت أعي ؟) أَنَّ الغدا
سوف يقصيه وأنّا
بعده لن نتلاقى أبداً
ولقد نبسم أحياناً لكيما
نخدع الحزن فلا نبكي، وأهذي :
"آه يا حبي الغريب
آه يا حبي لماذا ؟
وطني أصبح باباً لسقر ؟
ولماذا شجر التفاح صار اليومَ -
زقّوماً ، لماذا
لم يعد ضوْءُ القمر
مستحمّاً لبساتين الزهر؟
كان قومي يزرعون الأرضَ يحيونَ -
يحبُّون الحياه
يأكلون الخبز والزيت بحبٍّ وفرحْ
كانت الأثمار والأزهار في كل الفصول
تفرش الأرض بأقواس قزح
أتُرى ترجع تعطي من هداياها الفصول
لبلادي ولقومي ؟
أترى ترجع تعطي ؟ "
كنت أهذي، أتهاوى كذبيحه
وأرى الهوَّة تدعوني ولكنَّ التصاقي -
بذراعه
كان يحميني ، فأرتدُّ لأحيا
ولأقوى
.......
الأٍى يهطل، ليل القدس صمتٌ
وقتام
حظروا التجوال، لا تُطرق في
قلب المدينة
غير دقّاتِ النّعال الدمويّة
تحتها تنكمش القدس كعذراٍ سبيّه
وعلى السّاحة طائر
خرق السهم جبينه
وعلى الأرض دخانٌ وحطام
.....
شرفة المبنى، وطيفان يطلاَّن على -
ليل المدينة
كان في الركن حقيبه
وثياب وادّ كاراتٌ من الأرض الحبيبه
كانت الرزقةُ في عينيه تمتدّ -
بحيراتٍ حزينه
والأسى يطفح من شطآنها ملحاً
وماء
كانت القدس هواه، حبّه الصّوفيَّ كانت
ويقينه
وأنا أهذي وأهذي :
"آه يا حبي لماذا
هجر الله بلادي ؟ ولماذا
حبس النور ، تخلّى عن بلادي
لبحار الظلمات ؟!"
وأرى العالم تنّيناً خرافيّاً
على باب بلادي
وأنادي : "يا حبيبي
من يفك اللّغز من يكشفُ
سرَّ الكلمات ؟ "
آه: عشرون قمر
مرَّ عشرون قمر
وحياتي تستمر
وغيابك
كحياتي يستمرُّ
ومعي ذاكرةٌ واحدةلإ : وجه بلادي
وجهها الحلو يغطّي كل قلبي
......
وحياتي تستمرُّ
وتلفُّ الريح أيامي على الدرب العصي
مع شعبي، ويلاقينا على حافاتِهِ -
صخرٌ وأشواكٌ وصَلْبُ
وحياتي مع شعبي تستمرُّ
ووراء النهر غابات الرماحِ السمرِ -
تهتز وتربو
وهدير العاصفه
يكشف اللغز ويعطي العالمَ التنّينَ -
سرَّ الكلمات
وهبوبٌ ودويْ
ولهيبٌ وشرر
يلفح السّارين في الدرب العصىْ
والأضاحي زُمرٌ إثر زُمرْ
في عناقٍ واحدٍ تهوي وموت أخويّ
ويظل الليل - ما طال - يلد
أنجماً تقفو خطاها في الدروبِ -
السود أنجم
وبلادي كوز رمّانٍ يفور الدمُ -
فيه ويغمغم
وحياتي تستمرُّ
وحياتي تستمرُّ
وحياتي تستمرْ
وحياتي تستمرُّ
وحياتي تستمرْ