الرِّسالَة ُ الأولى - لطفي زغلول

أيَّتُها القادِمَةُ مِن خَلفِ ضَبابٍ ..
يَغشى رُؤايَ المُجنَّحَةَ بِالوهمِ
ماذا تَحملينَ لِي في حَقائِبِ أسفارِكِ
آهِ يا سـيِّدتي العَائِدةَ من الإغترابِ
المُسافرَةَ بي إلى الإغترابِ
إنَّني أرى في عَينيكِ ظِلالَ المَجهولِ
تُخيِّمُ على مَساءآتي الخَريفيَّة
حقائبُكِ مُثخنَةٌ بما يَخصُّكِ أنتِ
ولي وَحدي العَبثُ والسَّراب
لكنَّني لا أملِكُ إلاّ أن أقولَ لَكِ :
كانَ لكِ هُنا عُشٌّ ..
قبلَ أن تَنأى بِكِ المَسافاتُ ..
ذاتَ لَيلةٍ رَماديّةِ القَمر
أيَّتها القادمَةُ العائِدةُ ..
الَّتي لم تَصلْ بَعدُ ..
حَطَّتْ رِحالُكِ على كُلِّ مَكان
لكنَّ شَواطِئي ..
الَّتي انتَظرتْكِ طَويلاً
ظَلَّتْ غَارقَةً في الصَّمتِ
ونَهارُ الجِسرِ الواصِلِ ما بينَها
وبينَ جَوارحي المُسربَلَةِ بِالعتمَة
أيَّتُها القَادمَةُ ..
الَّتي لمْ تُفرغْ حَقائِبَها بَعدُ
الهُروبُ يُحاصِرُني مِن كُلِّ جِهاتي
لكنَّني سَأُحاوِلُ ..
أن لا أُفكِّرَ بِالسَّـفرِ
وأن لا تَكونَ لي حَقائِبُ ..
بعدَ اليَوم
الرِّسالَة ُ الثانية
سَراب
ألسَّماءُ .. لمْ تَعدْ تُمطر
ألغَمامُ الأخضَرُ ..
غَادرَ المَكان
ألمَكانُ أطلالٌ مِنَ الرُّؤى والأحلام
تَبخَّرتْ قَطراتُ الشَّـوقِ ..
في مَآقينا
إستحالتْ إلى أجنحَةٍ كَسَّرَها ..
بُعدُ المَسافاتِ ما بَينَنا
تَناثَرتْ رُؤآنا .. رَماداً .. غُباراً
تَهاوتْ فَوقَ صَفيحِ إحباطاتِنا
لَوَّنَ عَبثُ الإنتِظارِ نَهاراتِنا ..
إشتعالاتٍ .. حَرائِقَ
لَيالينا .. تَبحثُ لاهِثَةً
عن قَمرٍ .. عَن نَجومٍ ..
تَبحَثُ عَن لَيالٍ ..
ضَاعتْ في مَتاهاتِ ..
الَّلهفةِ وَراءَ السَّـراب
وكُلُّ شَيءٍ في المَدى المَنظورِ
وخَلفَ هذا المَدى ..
إستَحالَ إلى يَباب
أحلامُنا الخَضراءُ اغتالَتها ..
أنيابُ الوَهمِ الزَّاحِفِ ..
من صَحراءِ المَنافي
ألصَّحراءُ تَكبُرُ فِينا
كُلُّ الأشـجارِ ..
تَساقَطتْ أوراقُها
تُؤذِنُ مَرَّةً بطولِ الخَريف
قَد يَطولُ ويَطولُ ويَطول
ولَيلٌ يَجترُّ العَتمَةَ والصَّمت
الرِّسالَة ُ الثالِثة
أوهام
تُطلّينَ عليَّ مِن بَعيد .. أمدُّ يَديَّ .. لأُصافِحَكِ
لأُقِّبلَكِ .. بِشفتيَّ الظّامِئتينِ .. لأُطوِّقَكِ .. بِذراعيَّ المُتمرِّدتينِ
لأختَزِلَ كُلَّ انفعالاتي .. بِهمسةٍ .. بِلمسَةٍ
لأُطفِئَ كُلَّ حَرائِقي واشتِعالاتي ..
بِنَفحَةٍ عَابِقَةٍ لاهيَةٍ مِن شَذا ..
أنفاسِكِ المُسافِرِ في دَمي .. لَيلَ نَهار
لَعلّي أُضيءُ مَداراً واحِداً .. مِن فَضاءآتي الغَارِقَةِ ..
في عَتمَةِ الرَّحيلِ والاغتِراب
أُحاوِلُ .. أُحاوِلُ .. أحاوِلُ .. أعدو إليكِ ..
لكنَّني أصطَدِمُ بِجدارِ الأوهام
كَيفَ انتقلتِ من هُنا إلى هُناكَ .. خَلفَ حُدودِ المُستحيل
خُذي أبجديَّتَكِ المُثَخَنةَ بِجراحِ دَمي
أُغرُبي عَن مَساءآتي .. عَن نَهاراتي .. عنَ رُؤاي
لِتظلَّ أوراقي في الإنتِظارِ .. أبجديَّةَ عِشقٍ آخَر
الرِّسالَة ُ الرَّابِعة
نِهايَة
كَيفَ أُصدِّقُ أنَّـكِ أنتِ ..
أنتِ الَّتي كُنتِ قِطعةً مِن ذَاتي
أصبحَ لَكِ جَسدٌ وقَلبٌ آخرانِ
كُنّا مَعاً .. نُشكِّلُ مَساحةً مِنَ الزَّمانِ .. والمَكان
حُدودُها أنتِ وأنا ..
فَضاءآتُها ألَقٌ تَنزِفُهُ الرُّؤى
كَيفَ أُصدِّقُ أنَّ الواحِدَ ..
يُصبِحُ في لَحظَةٍ إثنين .. لَكنَّها الحَقيقَة
سَأُحاوِلُ أن أحتَمِلَ المَشهَدَ المُسربَلَ
بِضبابِ المتاهات .. سأُحاوِلُ أن أُقنعَ نَفسي
أنَّني أخطَأتُ التَّقديرَ .. وأنَّ انتظاري كَانَ هُوَ العَبثَ
ولَحظَةً لا أنساها
مِن حَالاتِ اتِّساعِ ضَعفي