مرايا الروح - محمود النجار

متقيئًا روحي
يجيء الليلُ
محتضرا
كنار ذات وقدٍٍ أُطفئتْ للتوِّ
وانقبضَ المكانْ
واستسلمتْ أقتابُها الحرّى لبطن الأرضِ
بحرا من ركامْ
ما كانت النيران بردا أو سلاما
كانت كبركانٍ تجرّع من خطايا الليل بركانًا
أشدَّ تمردًا
كانت صواعقَ تخطَف الأبصارَ
تقترفُ الخطيئةْ
تحثو حجارتها ؛
فتجعل كل شيء حولها عصفا تناهى الموت فيهِ
وكنتُ قد علقتْ رموشي في جدار الليلِ
منسلا من التاريخِ
منفلتا من الأفُق الذي صد الحمامَ ،
ومن رعاة الشاءِ
من كلأ المراعي
من تعاليم القبيلة
وكأنني سهم رمته يد
فأفلت من عقالٍ
أنكر مطلع الشمس
احتسى فوق السحاب شرابه
وأراق هيكله الشقي على سواقي الرمل أشرع جسمه المعتل
عـودا ناشفـا ؛
فبكى الغمام
وأزهر الحنون من دمه
وأبكى كل راع نايه
وعلا ثغاء الماعز الجبلي ..
شيء ما هنا يغتال أرواح الفصول ِ
فيا لهذا الليل
يأتي القلب أعمى
لا يرى وهج النجوم
ولا يرى وجه القمر
ها إنها الأبصار لا تعمى
ولكن القلوب هي التي ...
* * *
يا أيها الليل الطويل ألا انجل ِِ
فالقلب مرتهن لقيد النار
مصلوب على سعف النخيل
معلق ما بين روحي والمدى
صمتـا يئن
وليس ثمة ياسمينُ
وليس ثمة من ندى
صوت من الصحراء يصرخ بي :
تمهل أيها المعتم بالقلق الوجودي
استعد عنوانك المنسي
واهرب من بشاعتك القديمة
يكفيك مقـتًا
أن تنام على رؤاك المعتمات
وأن تعض على ولائك للمنافي
فيجرك الترحال نحو محيط يأس
ليس آخره نهارا
تمشي على زقومك المنبت من خصب الحياة
فتسقط الكلمات من عينيك شعرا
فيه تقتتل الحروف
وتهرب الحناء من شفتيك خوفا
تقتفيك عقارب الكلمات
تبحث عنك في أضلاعك الكسلى
وفي صلصالك المدمي
مذ فارقتَ
عرس البيدر المحفوف بالصلوات
وانتهبتك نار الردة الكبرى
ونام الليل في صدرك
نام الليل … نام الليل …
أشباحا تمص العشب من رئتيك
تلقي الرعب في صدرك
وتأخذ منك آخر ومضة في العين ِ
يقتلك اجتراحُ الشوق ِ
كل حدائق العشاق في عينيك
شوك أو حريقْ
ها .. كبرياؤك عاجزةْ
هرم ولكن من رمادْ ..
عرش من القش استطالْ ..
ومناك ليس لها رموشٌ
تحفظ الأسرار من ريح السَّموم ِ
فيستبد بها الغبارْ
شفتاك عاجزتان عن لثم الندى
ومسام جلدك تسكب الآهات في شفة النهارْ ..
وتسمم الأزهارَ
تلتمس الهروب من البياض ِ
إلى المحطات البعيدةْ
تمشي وتعبث بالمرايا البيض
تستبق الحصار إلى الحصارْ
متسكعًا ..
في كل وجه للتشرد ماثلا كفنًا
يمزقه الوجومْ
حيرانَ في طول المسافةِ
يرتديك الخوف
يحملك العويلْ
بردانَ ..
تنتكث الذي نسجته أمك بالدموعِ
فلم تزل عيّ الفؤاد
ولم تزل هش الضلوعْ
وتظل وحدك نائحا
ويظل ينهبك السدى
وتظل أبعد ما تكون
من الرجوعْ
تركتك أشرعة الرفاق
فرحت تبحث عن ملاذ
رحت تبحث في المدى
عن كربلاء
لعلها تعطيك معنى للوجود ِ
وكل شيء دون عينيك اقتراف للتراجعْ
يكفيك أنك لا تناجي الليل مثل بقية الشعراء ..
تعوي مثل ذئب تاه في الصحراء ،
أجهش بالعواء
وأطلق العينين للريح ..
استبد النزف في جفنيه ؛
فاغتيل النهارُ ..
فكن إذا أوهتك أوهام المآرب عنكبوتا
يختفي خلف الكلام .. يخيفه عبق القصيدة
تخشى من الكلمات
حين تجيء حبلى بغتة ؛
فتنوء بالأجل المسمى للكلام
يكفيك أن مسام جلدك ليس فيها برعم
يزهو إذا صب النسيم على ذراعك شهوة العشاق
أو شهق المساء على فؤادك ياسمين
لو قبلتك حمامة ؛
شفتاك تختبئان خلف غمامتين
أو رشك العشاق بالنسرين ؛
أدماك الأنين ..
كن مثل جوف النار أسودَ
أو كبحر من جحيمْ
* * *