هذا الحطـام . . ( إلى روح أمي ) - محمود النجار

في مهب الحقيقة
والوقت يهمي على حزمة العار التي
أوثقتها الهزائم
عودا فعودا
أشد الرحال إلى روح أمي
التي ألهمتني البكاء كثيرا
إذا خانني القلب
أو خاب ظني بنفسي ؛
فصرت كغيري نهبا
لريح الخيانة أو
حالة من سكون ..
وكم .. !
كم دثرتني
إذا جن خوف
بدفء عباءاتها !
وكم أرسلت لي مناديل حب
لكي أحتمي
من هجير اغترابي !
فشمس الخليج تجفف ريق السدود
تيبس قلب الحدود
وتخلع من رئتي الياسمين
وقبل المساء الأخير
أقامت على الأفق أوجاعها
أحالت كهولة روحي طفلا
وكنت لها الهاجس المشتعل
دعتني باسمي أن يا بني
احترس من لسانك
هذا الزمان رديءٌ
فلا تكُ وحدك ذاك البطل
لسانك يا روح أمكْ .. حصانك
فصنه
ولا تجهرن بالدموع
لكي لا تضيع هباء
فتنهبك الريح
تنقم منك الذئاب التي
تشرب الدم فجرا
فتلك على السادة السيدةْ
لك الله أمي
ألست التي أرضعتني لسانا
كجلمود صخر ولكنه
يصد السيول إلى الخلف
يلغي المسافة بين الرصاص
وبين القُبل
فيا روح أمي عليك السلام
ويا أمَّ جادك ريق الغمام
رمتني الحدود على ناب أفعى
فماتت لأن أديمي مر
وريقي سم
وقلبي تعود ألا ينام
وعدت على جنح وجدي إليك
وكان الحمام الذي كان يوما
يحط على غار ثور
يرافقني في طريقي الطويل
ويشهد دب خطاي الثقيل
وفي الليل يفرش فوقي جناحيه
أسمع وشوشة الطير يحنو
على نبض قلبي
وثمة آنست نارا تقيد
على بعد ميل
فقلت لعلي أقبس منها
لعلي أشتد نبضا هناك
فتلك لعل مضارب عبس
فآوي إليها
ولما اقتربت بخطو وئيد
وقلبي يرف رفيف الحمام
يناجي السماوات أن تستجيب
رأوني .. تنادوا :
غريب .. غريب
وبالوا على النار
ثم استداروا
وغلق دوني الفضاء
فعدت وأصعدت قهقهة في السماء
فدوت حناجر هذا الوجود
خريفا يبعثر وجه السكون
حصارا ينشف نهر الفرات
وينسج في صدر أمي الفناء
فأمي التي طالما أرضعتني الحياة
نجيع الخلود ..
تموت هي الآن كي لا أموت
وينثال منها الدعاء لقلبي
لبغداد
تلك التي لا تموت
لوجه جنين التي لا تزال ـ كما العهد ـ بكرا
لكوكبة من شموع تقيد
ولا نار غير الشموع الصغيرة .. !!
وكان الهزيع الأخير احمرارا
شقي الدموع
يبلل وجه الصباح نزيفا كئيبا
قد انتكأ الجرح ألفًا .. ولكن
ينام العبيد على الذل
حتى يمر العساكر فوق الجباه
ويبقى العبيد نياما
إلى آخر الذل
أماه .. أماه ..
مَن يوقظ العبد مِن
نومه المتصل ؟