الحديقة النائمة - محمود درويش

سرقت يدي حين عانقها النوم ،
غطّيت أحلامها ،
نظرت إلى عسل يختفي خلف جفنين،
صلّيت من أجل ساقين معجزتين ،
إنحنيت على نبضها المتواصل،
شاهدت قمحا على مرمر ونعاس،
بكت قطرة من دمي
فارتجفت…
الحديقة نائمة في سريري .
ذهبت إلى الباب ،
لم التفت نحو روحي التي واصلت نومها
سمعت رنين خطاها القديم وأجراس قلبي
ذهبت إلى الباب
- مفتاحها في حقيبتها
وهي نائمة كالملاك الذي مارس الحب -
ليل على مطر في الطريق ، ولا صوت يأتي
سوى نبضها والمطر .
ذهبت إلى الباب ،
يفتح الباب،
أخرج .
ينغلق الباب.
يخرج ظلي ورائي .
لماذا أقول وداعا ؟
من الآن صرت غريبا عن الذكريات وبيتي.
هبطت السلالم ،
لا صوت يأتي
سوى نبضها والمطر
وخطوي على درج نازل
من يديها إلى رغبة في السفر .
وصلت إلى الشجره
هنا قبلتني
هنا ضربتني صواعق من فضة وقرنفل .
هنا كان عالمها يبتدىء
هنا كان عالمها ينتهي .
وقفت ثواني من زنبق وشتاء ،
مشيت ،
ترددت ،
ثم مشيت ،
أخذت خطاي وذاكرتي المالحه
مشيت معي .
لا وداع ولا شجره
فقد نامت الشهوات وراء الشبابيك ،
نامت جميع العلاقات ،
نامت جميع الخيانات خلف الشبابيك ،
نام رجال المباحث أيضا ..
وريتا تنام … وتوقظ أحلامها .
في الصباح ستأخذ قبلتها ،
وأيامها ،
ثم تحضر لي قهوتي العربية
وقهوتها بالحليب .
وتسأل للمرة الألف عن حبّنا
وأجيب
بأني شهيد اليدين اللتين
تعدان لي قهوتي في الصباح .
وريتا تنام … تنام وتوقظ أحلامها
- نتزوج؟
نعم .
- متى ؟
حين ينمو البنفسج
على قبعات الجنود .
طويت الأزقة ، مبنى البريد ، مقاهي الرصيف ، نوادي
الغناء ، وأكتشاك بيع التذاكر .
أحبّك ريتا . أحبّك . نامي وأرحل
بلا سبب كالطيور العنيفة أرحل
بلا سبب كالرياح الضعيفة أرحل
أحبّك ريتا .أحبّك . نامي
سأسأل بعد ثلاثة عشر شتاء
سأسأل :
أما زلت نائمة
أم صحوت من النوم …
ريتا ! أحبّك ريتا
أحبّك …