يوميات جرح فلسطيني - محمود درويش

( إلى فدوى طوقان )
*
-1-
نحن في حلّ من التذكار
فالكرمل فينا
و على أهدابنا عشب الجليل
لا تقولي: ليتنا نركض كالنهر إليها،
لا تقولي!
نحن في لحم بلادي.. و هي فينا!
-2-
لم نكن قبل حزيران كأفراح الحمام
ولذا، لم يتفتّت حبنا بين السلاسل
نحن يا أختاه، من عشرين عام
نحن لا نكتب أشعارا،
و لكنا نقاتل
-3-
ذلك الظل الذي يسقط في عينيك
شيطان إله
جاء من شهر حزيران
لكي يصبغ بالشمس الجباه
إنه لون شهيد
إنه طعم صلاة
إنه يقتل أو يحيي
و في الحالين!آه!
-4-
أوّل الليل على عينيك ،كان
في فؤادي، قطرة قطرة من آخر الليل الطويل
و الذي يجمعنا، الساعة، في هذا المكان
شارع العودة
من عصر الذبول.
-5-
صوتك الليلة،
سكين وجرح و ضماد
و نعاس جاء من صمت الضحايا
أين أهلي؟
خرجوا من خيمة المنفى، و عادوا
مرة أخرى سبايا!
-6-
كلمات الحب لم تصدأ،و لكن الحبيب
واقع في الأسر_ يا حبي الذي حملني
شرفات خلعتها الريح
أعتاب بيوت
وذنوب.
لم يسع قلبي سوى عينيك
في يوم من الأيام
و الآن اغتنى بالوطن!
-7-
و عرفنا ما الذي يجعل صوت القبّرة
خنجرا يلمع في وجه الغزاة
و عرفنا ما الذي يجعل صمت المقبرة
مهرجانا.. و بساتين حياة!
-8-
عندما كنت تغنين رأيت الشرفات
تهجر الجدران
و الساحة تمتد إلى خصر الجبل
لم نكن نسمع موسيقى
و لا نبصر لون الكلمات
كان في الغرفة مليون بطل
-9-
في دمي من وجهه صيف
و نبض مستعار
عدت خجلان إلى البيت
فقد خر على جرحي شهيدا
كان مأوى ليلة الميلاد
كان الانتظار
و أنا أقطف من ذكراه عيدا
-10-
الندى و النار عيناه
إذا ارددت اقترابا منه غنى
و تبخرت على ساعده لحظة صمت و صلاة
آه سميه كما شئت شهيدا
غادر الكوخ فتى
ثم أتى لما أتى
وجه إله
-11-
هذه الأرض التي تمتص جلد الشهداء
تعد الصيف بقمح و كواكب
فاعبديها
نحن في أحشائها ملح و ماء
و على أحضانها جرح يحارب
-12-
دمعتي في الحلق يا أخت
و في عيّني نار
و تحررت من الشكوى على باب الخليفة
كل من ماتوا
و من سوف يموتون على باب النهار
عانقوني، صنعوا مني.. قذيفة !
-13-
منزل الأحباب مهجور.
و يافا ترجمت حتى النخاع
و التي تبحث عني
لم تجد مني سوى جبهتها
أتركي لي كل هذا الموت، يا أخت
أتركي هذا الضياع
فأنا أضفره نجما على نكبتها
-14-
آه يا جرحي المكابر
وطني ليس حقيبه
و أنا لست مسافر
إنني العاشق ،و الأرض حبيبه
-15-
و إذا استرسلت في الذكرى!
نما في جبهتي عشب الندم
و تحسرت على شيء بعيد
و إذا استسلمت للشوق،
تبنيت أساطير العبيد
و أنا آثرت أن أجعل من صوتي حصاه
و من الصخر نغم !
-16-
جبهتي لا تحمل الظل.
و ظلي لا أراه
و أنا أبصق في الجرح الذي
لا يشعل الليل جباه !
خبئي الدمعه للعيد
فلن نبكي سوى من فرح
و لنسم الموت في الساحة
عرسا.. و حياه!
-17-
و ترعرعت على الجرح، و ما قلت لأمي
ما الذي يجعلها في الليل خيمه
أنا ما ضيّعت ينبوعي و عنواني و اسمي
و لذا أبصرت في أسمالها
مليون نجمه!
-18-
رايتي سوداء،
و الميناء تابوت
و ظهري قنطرة
يا خريف العالم المنهار فينا
يا ربيع العالم المولود فينا
زهرتي حمراء
و الميناء مفتوح،
و قلبي شجرة!
-19-
لغتي صوت خرير الماء
في نهر الزوابع
و مرايا الشمس و الحنطة
في ساحة حرب
ربما أخطأت في التعبير أحيانا
و لكن كنت_ لا أخجل_ رائع
عندما استبدلت بالقاموس قلبي!
-20-
كان لا بد من الأعداء
كي نعرف أنا توأمان !
كان لا بد من الريح
لكي نسكن جذع السنديان !
و لو أن السيد المصلوب لم يكبر على عرش الصليب
ظل طفلا ضائع الجرح.. جبان.
-21-
لك عندي كلمه
لم أقلها بعد،
فالظل على الشرفة يحتل القمر
و بلادي ملحمة
كنت فيها عازفا.. صرت وتر!
-22-
عالم الآثار مشغول بتحليل الحجارة
إنه يبحث عن عينيه في ردم الأساطير
لكي يثبت أني :
عابر في الدرب لا عينين لي
لا حرف في سفر الحضارة!
و أنا أزرع أشجاري. على مهلي
و عن حبي أغني!
-23-
غيمة الصيف التي.. يحملها ظهر الهزيمة
علّقت نسل السلاطين
على حبل السراب
و أنا المقتول و المولود في ليل الجريمة
ها أنا ازددت التصاقا.. بالتراب!
-24-
آن لي أن أبدل اللفظة بالفعل و آن
لي أن أثبت حبي للثرى و القبرة
فالعصا تفترس القيثار في هذا الزمان
و أنا أصغر في المرآه
مذ لاحت ورائي شجره