أغنية إلى الريح الشمالية - محمود درويش

قبلّ مجففة على المنديل
من دار بعيد
ونوافذ في الريح،
تكتشف المدينة في القصيده.
كان الحديث سدى عن الماضي
وكسرني الرحيل
وتقاسمتني زرقة البحر البعيد
وخضرة الأرض البعيده
أماه!..وانتحرت بلا سبب
عصافير الجليل.
يا أيّها القمر القريب من الطفولة والحدود
لا تسرق الحلم الجميل
من غرفة الطفل الوحيد
ولا تسجل فوق أحذية الجنود
إسمي وتاريخي_-
سألتك أيّها القمر الجميل.
هربت حقول القمح من تاريخها
هرب النخيل.
كان الحديث سدى عن الماضي
وكان الأصدقاء
في مدخل البيت القديم يسجلون
أسماء موتاهم
وينتظرون بوليسا
وطوق الياسمين
قبلّ مجففة على المنديل
من دار بعيده.
ونوافذ في الريح تكسر جبهتي
قرب المساء
كان البريد يعيد ذاكرتي من المنفى
ويبعثني الشتاء
غصنا على أشجار موتانا
وكان الأصدقاء
في السجن.
كانوا يشترون الضوء
والأمل المهرّب
والسجائر
من كل سجّان وشاعر
كانوا يبيعون العذاب لأي عصفور مهاجر
ما دام خلف السور حقل من ذره
وسنابل تنمو..
بلادي خلف نافذة القطار
تفاحة مهجوره.
ويدان يا بستان كالدفلى..
كأسماء الشوارع..
كالحصار.
بالقيد أحلم،
كي أفسّر صرختي للعابرين
بالقيد أحلم،
كي أرى حريّتي، وأعدّ أعمار السنين
بالقيد أحلم،
كيف يدخل وجه يافا في حقيبه
بيني وبينك برهة في زي مشنقة
ولم أشنق.. فعدت بلا جبي.ن
بيني وبين البرهة امتدّت عصور
بالقيد أحلم،
كيف يدخل وجه يافا في حقيبه!..
قبلّ مجفّفة على المنديل
من دار بعيده .
ونوافذ في الريح، يا ريح الشمال
ردّي إلى الأحباب قبلتهم
ولا تأتي إلّى!
من يشتري صدر المسيح
ويشتري جلد الغزال
ومعسكرات الاعتقال
ديكور أغنية عن الوطن المفتت في يديّ!..
كان الحديث سدى عن الماضي،
وكان الأصدقاء
يضعون تاريخ الولادة بين ألياف الشجر
ودّعتهم..
فنسيت خاصرتي وحنجرتي وميعاد المطر
وتركت حول زنودهم قيدي
فصرت بدون زند، واختصمت مع الشجر
والأصدقاء هناك ينتظرون بوليسا
وطوق الياسمين
وأنا أحاول أن أكون
ولا أكون..