أطياف العودة - مسعد محمد زياد

اليوم ... ،
أسرجت خيلي .. عائدا ... ،
من أين .. ؟
من جوف المحن . . !
من بؤرة الظلمات .. ! ، والتشريد . . !
من عين الزمن . . !
اليوم ... ،
لملمت أشيائي ... لملمت أبنائي ... ،
وحزمت أمتعة الزمان بداخلي ...
وحملت أطياف الحزن ..!
وصررت أضلع أمتي .. وشددتها .. !
وشددتها على ظهري ...
على أكتاف أبنائي ... ،
وأحفادي حملناها ..
وعدنا يا رفاق الأمس ..
بعد البؤس ..
بعد الخوف ...
بعد الجوع والحرمان ...!
أقوى من جبال الوهم ..
أقوى من جليد الظلم ..
أقوى من ردى الأزمان ...!
أقسى يا رفاق الدرب ...
أقسى من عصا الجلاد ...
أعتى من لظى الأحقاد ...
أندى من رؤى الأمجاد .
ففي عمقي هوى بلدي ...
يطاردني ..
يلاحقني هوى وطني ..
يعذبني نُؤى الأجداد ..
دعوني اكمل التغريد ...
عصفورا على الشريان ...
على تينهْ ... على كرمهْ ...
على زيتونة صمدت مع الأزمان .
دعوني أكمل الإنشاد ...
عصفورا على " الحيطان " ..
وأمضى العمر محروما ...
ومسلوبا .. ومغصوبا ...
ومدفونا بلا أكفان ..!
هنا في السجن أجدادي ... ،
وأحفادي ..
هنا في الليل .. في داري ..
وفي كرمي ..
إلى الأشجار مشدودٌ ...
مع الأطفال ... والأيتامْ ...
مع الأحلام ... والأنسامْ ..
سنينا من زمان العمرِ ...
قد ضاعت مع الأيامْ ... !
هنا منفاي في صيدا ..
هنا بيروت تشكوني ..
وفي اليرموك ... في صبرا ..
وتل الزعتر الموءود ... في لبنان .. !
وفي عمان ...في الوحدات ..
في الشريان . .‍،
وفي " عتِّيل " بعض رفات إخواني ... ،
وأبنائي ... ، وأحفادي ..
زرعناها مع الزيتون ...
مع أوراق أحزاني ..
هنا في غزة الثوار ...
في حيفا .. ، وفي يافا ... ،
وفي قدسي التي انجرحت ...
تهوّم كل أطياري ..
لتبقى في عيون الليل ..
رغم الويلِ ...
رغم القهر والحرمان ..
ورغم شراسة السجان ..
ورغم القيد .. رغم السهد والتعذيب ... ،
رغم دناءة القرصان ..
لتبقى الشاهد الماثل ...
على حبي لكِ بلدي ..
وتجلو دمعة الأحزان .
أيا بلدي ... !
أيا رمز الشذى الفيحان ..
دعيني أكمل الألحان ...
في المنفى ..
وفي السجن ..
وعند عواصف الشطآن ..
سئمت قساوة الأيام ..
سئمت الضيم والتشريد في المنفى ..
كرهت طلاوة الإحسان ..
وطفلي يائس مثلي ...
بلا مأوى ..
بلا وجه ...
بلا ثوب ... بلا وجدان .
تعشش في دواخله ..
ضراوة سطوة الإنسان ..!
أيا بلدي ...
لقد أسرجت راحلتي ..
وها أنذا ألملم حلمي الباقي ... ،
وبعضا من سنين العمر ..
قد حُفرت على وجهي ..!
سأحملها على راحي ...
على كتفي ..
وفي وجدان أبنائي ... ،
وأحفادي ..
لتدفن في ثرى الأجداد ...
إن شاؤوا ... ،
وإن رفضوا ...
لتدفن في عيون الأرض ...
رمز المجد ... رمز الخلد ...
رمز شموخي الباقي .
***