دموع الكلمات - ناصر ثابت

يخنقني التزييفُ
فأحفرُ للروحِ مكاناً في عينيكِ الطاهرتين
وأسلمُ للأشجار كلاماً تحفظه عنا
وأحاول أن أحتسيَ النورَ الهاطلَ من شفتيكِ
وأكسرَ بالشعرِ زجاجَ الماضي
وحدودَ المعقول
أحسمُ أمري
أسري بجنون الشعر إلى عِطركِ
حتى أعرجَ
(ممتطياً شهقةَ أحلامي)
نحوَ سمائِكِ
نحوَ انوثتِكِ العاجيةِ...
فحضورك أخّاذٌ وجميلْ
ألغي تأثيرَ بحارٍ ومحيطاتٍ كبرى
أختصرُ القاراتِ إلى جسدٍ عارٍ
أحبسه كالعصفور المُجهد في قفصي الصدريّ
يبتسمُ، فينسيني الشعرَ
وينسيني ما سأقولْ
كيف سأبدأ في استحضارِ العشقِ
إذا كنتِ سيسرقكِ الخجلُ الرائعُ من بين يدي
وإذا كانت..
تتوسطنا الكلماتْ
وستارٌ من وجعِ الآهاتْ
وضبابُ الأجواءِ كحيلْ
أغسلُ سكّركِ الجوريَّ
ووجهَكِ... بالرعدِ
وأخزِّنه كبذورِ الثورةِ في كبدي
أزرعُه في أحواض النعناعْ
أملاً وخلوداً وهديلْ
لا بدَّ لهذا العيدِ البائسِ مِن لمَساتِ أناملكِ الغيميةِ
كي يصبحَ أجملْ
أينَ قضيتِ العيدَ؟ أنا كنتُ قريباً من وجهكِ.. أتأملْ
لكني كنتُ غريقاً في بحرِ رمادِ الكلماتْ
وكنتُ أسافرُ في القلقِ المجهولْ
أغتنمُ الفرصةَ
أتوحّدُ مع قلمي
وأحاولُ أن أكتبَ قصة عمري
فوق الزندين القديسين
يدهشني صوتُ اللون الأبيضِ
والأسئلة المذبوحةُ في عرش الشفتين..
لا شيءَ سواكِ هنا... والكون قتيلْ
لا شيءَ سواكِ هنا
وقناعُ الزيف الأجوفِ مبنيٌّ للمجهولْ
أصواتُ الناسِ
روائحُ أمكنةٍ لم نعبرْها بعدْ
وسطورُ الأزمنةِ المغسولةِ بالإسفاف
وصمتُ الفجرِ المصلوبِ على كثبان البعدْ
لا شيءَ سواك هنا
ونسيمُ أحاسيسكِ ثلجيٌّ وعليلْ...
دمعُ الكلماتِ
تأكدَ من موتيَ
قبل حضور الفرح التأريخي
كيف سأبدأ بممارسةِ الشعرِ وكيف ستحبلُ أقلامي؟
كيف سأنثرُ أحزانيَ فوقَ الورقِ اليابسِ
وسماؤكِ لا تمطرُ إلا في أحلامي؟
حيثُ أراكِ عروساً بيضاءْ
تسكنكِ الرهبةُ من كلماتي...
حين أحاولُ أن أصبغَ يومَكِ بالتقبيلْ
الوجه له أخلاقُ طيورِ النورس
والعينانِ حكايةُ كلِ المدن المكتوبةِ بدماءِ الأنهارْ
وأنا أشرقُ من أغنية النهدين
لكي يوجعَني الطهرُ برقتهِ المطليةِ بالنارْ
وأصبُّ على إعصار الشبق القادمِ منك ِ
سيولاً من همساتي
وحكاياتي
ومزاميري... فالليل طويلْ
أرهقني حبُّكِ
لكني لا أملكُ إلا ألفةَ زهرةِ عبادِ الشمسِ
وأشواقَ التوليبِ الأحمرِ
والرمانْ
وحفيفَ ستائر تلك الشرفة
ورحيلك فوقَ ذراعيّ إلى كوكبنا المتواري خلفَ نعاس الألوانْ
والأملَ المذبوحَ بسكين المنطقِ
ودموعَ الكلماتِ إذا حملتْ آلامَ أحاسيسي
وفجيعةَ قلبٍ
مشنوقٍ كالبوحِ على الرقص المعسولْ
رَحِمُ الدنيا
لا ينجبُ إلا الزيفَ
ولا يطرحُ إلا ألماً وجراحْ
فلا تغتسلي بستائره
وارتقبي، يا رائعة الشفتين،
أن تولَدَ ساعة توحدنا الأفراحْ
عند غيابِ العتمةِ...
مطلعَ كل صباحْ
والناس نيامٌ في غفوةِ أهل الكهفْ..
والغيم الأبيضُ يبحثُ عن صحراء الأرواحْ
لعلَّ جوانبها تمنحه خصباً وهطولْ..
هل يمكنُ أن نبدأ يا سوسنةَ القلبِ بتأليف الأحلامْ؟
أذكرُ إذْ ألقمني القدرُ شفاهَكِ
كنتُ أطالعُ في عينيكِ وجودي
وأطالعُ في دمعِهما موتي وفنائي
ونسيتُ يديّ على كتفيكِ
وأخذتُكِ نحوَ فضاءِ العشقِ الجسديِّ
لنملأ ذاكرةَ الأحزان ببعض الترتيلْ
وسمعتُ لأشواقكِ صوتاً سيمفونياً
هل ستعودُ النارُ إلى صدري
فالحبُّ تألقَ (صارَ سفينة تيهٍ
تبحر في الموجِ بلا قنديلْ)
والشعرُ تألقَ (صرتِ تصبين له فنجان القهوة كل مساءْ)
وطقوسُ العشق النارية صارت قدراً
يفترش الأرض تراباً ونبيذاً... ونجيل
وأنا صرتُ غريباً عن فكرة هذا العالمِ
لا أسكن إلا في الشجر المغسولْ
وصخورُ القسوة... تسحقُ نرجستي
تمنحني أرقاً... وذبولْ
فأكرر نفسي في حضرة سحرك...
لكني أنسى ما سأقولْ
أنسى ما سأقولْ
*
كاليفورنيا - 9 تشرينٌ ثانٍ 2005