سَيلٌ من الهمِّ - ناصر ثابت

سَيلٌ من الهمِّ يسري في شراييني
ووخزةٌ في صَميمِ القلبِ تكويني

بلغتُ من شدةِ الإحباطِ منزلةً
في أرضِها الصخرُ (حتى الصخرُ) يبكيني

وثورةُ الرفضِ في صَدري ستحرقني
حتماً، وتهلكُ أركاني وتشقيني

أخذتُ أبحثُ عن همٍّ وعن ألمٍ
كأن سيلَ همومي ليسَ يكفيني

وجدتُ روحيَ عطشى، تستبدُّ بها
نارُ المآسي التي اجتاحتْ مياديني

فلا البكاءُ على حالي سيطفئها
ولا تجرُّعُ كأسِ الحزنِ يرويني

رأيتُ أشلاءَ أحلامي مبعثرة
على المدى، ودمي الباكي يُواسيني

حتى قبورُ ابتساماتي غدتْ بدداً
ولم تَعدْ زَفَراتُ الموتِ تعنيني

يفتتُ الفقدُ آمالي وينثرها
في قعرِ بحرٍ، عميقٍ غيرٍ مسكونِ

ويُطفئُ الهمُّ شمسي كلما بزغتْ
ولعنة الريح خلفَ الظهر تلقيني

أنا الذي سرقَ المجهولُ فرحتَه
ومزقت قلبَه الدنيا بسكينِ

وحينَ حدقتُ في المرآةِ دونَ هدى
رأيتُ نفسيَ تبكي كالمساكينِ

أضيعُ في الدربِ، أمشي حاملاً كفني
وتستبيحُ دمي كلُّ الثعابينِ

ماتت زهوري، وجفَّ الغيثُ من سُحبي
وأصبحتْ مثلَ صَحراءٍ بساتيني

حتى سمائي تخلتْ عن كواكبها
لما غدتْ قبةً تزدانُ بالطينِ

والأرضُ ضاقتْ على قلبي بما رحبتْ
ولم تَعدْ تشتهي عطرَ الرياحين

سقيتُها من جراحي النزفَ فاضطربتْ
كأنها كرةٌ في كفِّ مجنونِ

* * *

غرقتُ في الحُزن، والدنيا تعاندني
والكون يمضي إلى أحلامِه دوني

لا أصدقاءَ ولا إخوانَ يجمعُني
بهم شذا الشوقِ من حينٍ إلى حينِ

وزادَ هميَ أنَّ الناسَ كلَّهمُ
تجمَّعوا حولَ جثماني ليرثوني

كانوا يُريدونَ تكفيني بلا خَجلٍ
والخُبْثُ يقطُر منهم كالشياطينِ

أخذتُ أصرخُ مذعوراً فما سمعوا
كأنَّ صوتيَ يأتيهم من الصينِ

كأنهم (وجناحُ الحقدِ يحملهم)
أتوْا لكي يرقصوا في حفل تأبيني

أنا مسيحُكُمُ، هيَّا ارجموا جسدي
وإن قُتلتُ، فموتي سوف يحييني

* * *

ناديتُ والظلمة السوداءُ تمضغُني
فلم تُجبْني سوى أناتِ تشرينِ

ولم يَعُد في دروبي المقفراتِ سوى
قصفِ العواصفِ، أو صوتِ البراكينِ

وأنتِ يا فَرَحي المذبوحَ، يا وجعي
على يديكِ ذوتْ قهراً شراييني

دخلتُ معبدَكِ العطريَّ متكئاً
على الخشوعِ، وأحزاني تناديني

أخذتُ أرجوكِ ألا تسحقي كبدي
فإنه كانَ من ضمن القرابين

لكنك اخترتِ أن تُبقي على ألمي
وتقتلي الحبَّ حتى لا يُداويني

فكم تمنيتُ ألا تدفني أملي
وكمْ تمنيتُ دوماً أن تحبيني

*

كاليفورنيا - 4 آذار 2008