شهوة الخصب - ناصر ثابت

تعالَيْ
لنجلسَ هذا المساءَ معاً
ونفضَّ بكارةَ إحدى القصائدِ
في ساعةٍ
يتمرغُ فيها سوادُ الظلامِ
بعطر له نكهةٌ أبدية
* * *
صفاءُ القصيدةِ
يسبحُ فيه الكمالُ
ألم تسمعي بين هزجِ الحروفِ
بكاءَ مدينتنا الليلكية؟
تعالَيْ
ولا تسمحي للترددِ
أن يتقربَ من لحظِ عينيكِ
ولتبدأي بارتشافِ السكونِ
لكي أتسلى أنا باقتطافِ السكاكرِ... والفاكهة
وإن هاجكِ الشوقُ
للقبلِ المشتهاةِ
فلا تتركي للبرودِ مكاناً ليأخذه بيننا
وقولي لنقشٍ تمدد فوق وشاحِكِ
أن يستعدَّ لمَلْئِ المكانِ بأحلامنا التائهة
صلاتي على أرضِ خدك
درسٌ لمن يعشقونَ التصوفَ
واللثمُ يشبهُ دندنة الآلهة
* * *
على وقعِ ذبحِ التفاصيلِ
يبدأُ حزنيَ
يبدأ صيدُ اليمامْ
أقولُ لسحرِ الغموضِ المعتَّقِ
أينَ سيأخذنا الخصبُ
والموت مرَّ علينا مرورَ الكرامْ؟
سأشتقُّ من مبدأي طفلةً
وأعلمها أن تقصَّ عليَّ الحكايا بغير كلامْ
* * *
لقدْ أصبحتْ كلماتُ القصائدِ أكثرَ نوراً
فهل يقدرُ الشعرُ أن يمنحَ العمرَ نورَ الصباحِ؟
وهل تستطيعُ الخياناتُ صنعَ الثلوجِ؟
وهل سيعيدُ البكاءُ البريقَ لزيفِ العواصفِ
أو لصفيرِ الرياحِ؟
خذي خضرةَ القلبِ روضاً لحاضِرنا المستباحِ
تمنيتُ أن يَعمُرَ الخصبُ أرضيَ
حتى أعيدَ لعينيكِ
ما ضاعَ حين كفرنا بآلهةِ الحبِّ
والرغبةِ الْتتفجرُ عِشقاً، كقنبلةٍ من أقاحِ
تمنيتُ،
لكنني ضعتُ في زمنٍ ليس لي
ووقفتُ ضعيفاً،
ليكسرَ ظلمُ الحياةِ جناحي
* * *
تساءَلتُ
والنارُ تأكلني ببرودٍ غريبٍ
ألستُ أنا من تجرأ يوما على دربكِ المستحيلِ؟
ألستُ أنا من تفقّهَ بالجمرِ
واجتاحَ في غمرة العنفوانِ السماءَ بأنشودةٍ من صهيلِ؟
ألستُ أنا من تجرأ يوماً
على سيد القهرِ
ذاك الذي لا يُثبِّطُ إلا الكُسالى
فماذا يريدُ التقهقرُ مني؟
وماذا تريدُ الجبالُ... أنا لا أهابُ الجبالا؟
وماذا يريدُ قراصنةُ الظلمِ
"أن أعبدَ الحزنَ؟"
لا.. ألفُ لا.. لا
* * *
دموعيَ ممزوجةٌ برؤاكِ البليلةِ
مخبوءةٌ في سلالِ الظلامْ
تذكرتُ يومَ أحترقتُ بحبكِ كالطفل مليونَ عامْ
تذكرتُ حينَ مشينا معاً
في المساءِ
وكنا نلاحقُ صمتَ الشوارعِ والأرصفة
وكانت لنا بقعةٌ
في مكانٍ قصيٍّ
توارى بلا خجلٍ خلفَ ذاك الزحامْ
وفي جعبتي قصةٌ
مثلُ عصفورةٍ
تتطلعُ دوماً لتهرب مني
أخذتُ أفضُّ بكارةَ تلكَ القصيدةِ
دون التفاتٍ إلى حسدِ الحاسدين
سألتُكِ في فرحةٍ يومها
أن تظلي حبيسةَ أحضانيَ الدافئة
ولا تسمحي للسرابِ المشاكسِ
أن يتمنى لنا ما يريدْ
سبقتك دون انتباهٍ
ركضتُ، ولا زلتُ أركضُ خلفَ سرابِ الوجودْ
فضِعتُ،
كما ستضيعُ حروفيَ في كلماتِ القصيدْ
* * *
سواحلكِ الرئعاتُ
وذاك الحوارُ الذي قد يطولُ مع البحرِ
والأغنياتُ... لها شهوةُ الخصبِ مثل الضيا والورودْ
ولي لعنةُ المدِّ، والجزرِ، والركضُ خلفَ سراب الوجودْ
*
كاليفورنيا – 20 تشرين أول 2006