يا وطني - ناصر ثابت

في غربتي الصماءْ
ينتابني
شوقٌ عظيم جارفٌ إليكْ
ورغبةٌ في الحزنِ والبكاءْ.
ينتابني..
شوقُ العذابات التي تطرزُ الرسائلَ المعتقة..
بالوردِ..
والدموعِ..
والحِنَّاءْ...
شوقُ الخريفِ للتجلي في متاهات القمرْ
وشوقُ لحظةِ الفراق للولوج في مشاعر البشرْ
ولهفةُ القلوبِ إذ تستقبلُ الدماءْ
ينتابني
شوقٌ كشوقِ العاشق الصوفي للسماءْ
* * *
يا وطني،
لا تقبلِ الأعذارَ من بنيك..
فبعضهم من أجل شيءٍ تافه نسوك
وبعضهم من أجل شيء تافه باعوك...
ولم يعدْ – من بينهم - يظهرُ بعدَ اليومِ
مَنْ بروحه يفديكْ..
* * *
يا وطني المنسيَّ
والمتروكَ فوق الرفِّ،
في مدائن الغبارِ، هل أبكيك؟
و كل دمع الأرض لا يكفيكْ
وكل أحزاني التي أودعتُها..
في هذه الحروفِ لا تكفيكْ..
عذراً فصوتي مُتعبٌ.. منهوكْ.
وكلُّ أشعاري التي حملتُها
كسلةِ الأوزارِ هدَّتْ قامتي
ولم تزل سفينتي باحثةً، في بحر هذا العمرِ عن شاطيك
* * *
يا وطني،
حزني عليكَ يغسلُ الذنوبَ والخطايا
أنا الذي تركتُ روحي فيك
مُذ غادرتك جثتي.. تركتُ روحي فيكْ
علقتُها لديكَ قنديلاً
لعلَّ نورَه يسقيكْ
وزيتُه عمري فهل أكفيك؟
* * *
يا وطني،
يا كبرياء الشمسِ في عليائها..
أرجوكْ
إقبل كياني قطرة صغيرةً
تذوبُ في ترابك العظيمِ
في حاضركَ الأليم
في ماضيكْ
ماذا أقولُ والكلامُ لم يَعُدْ يَشفيكْ؟
ماذا أقولُ للذينَ يصبغونَ وجهكَ الجميلَ بالدماءْ؟
ماذا أقول؟ والشرورُ كلها،
تكمنُ خلفَ أجملِ الأسماءْ
فبعضهم يلبِسُ ثوبَ الآلهة
وبعضُهم عمائمَ الشيوخْ
وبعضهم يتَّخذُ التيجانَ كالملوكْ
وكلهم من خارج التاريخ قد جاؤوكْ
* * *
يا وطني الذي ابتلاه الله
بالجبانِ، والكذاب، والصعلوكْ
يا ليتني أطيرُ كالعصفورِ فوقَ حدك النهريِّ كي أحميكْ
يا ليتني ليمونةٌ مزروعةٌ
على رمالِ حدك البحري كي تحميكْ
وليتني
يثقبني الرصاصُ ألفَ مرةٍ
حتى يُردَّ خائبا غازيكْ
وليتني أُقتَلُ ألفَ مرةٍ
من أجل ما اختزنتَ في ترابك العطريِّ من حكايا
يا وطنَ العُلا،
فهل يرضيك؟
*
كاليفورنيا - 14 تشرين أول 2007